قال المصنف رحمه الله تعالى: [بل هم الوسط في فرق الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم].
ومقصود المصنف بوسطية أهل السنة أنهم عدول خيار في أقوالهم، وفي حكمهم وشهادتهم.
وأما أن هذه الأمة وهي أمة النبي صلى الله عليه وسلم وسط بين الأمم، فهو المذكور في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] ثم قال سبحانه: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]، فالوسطية التي وصفت بها هذه الأمة هي عدلها وعدل شريعتها، وعدل قيام أهلها بالشريعة، فلا توجد شريعة أعدل ولا أتم ولا أكمل من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد أصحاب وأتباع حققوا شريعة نبي كتحقيق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لشريعة نبيهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق).
ولهذا فليس غريباً أن يقول المصنف: (بل هم الوسط في فرق هذه الأمة) لأن هذه الأمة وهي أمة النبي صلى الله عليه وسلم لما كانت وسطاً بين الأمم، فإنما وسطيتها هو بعدلها، وإقامتها لشريعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم أن أحق طوائف المسلمين وأعدلهم بتحقيق شريعة النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل السنة والجماعة، الذين مبتدؤهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التابعون لهم بإحسان إلى أن تقوم الساعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله) أو (حتى تقوم الساعة) على تعدد الرواية.
وهي الطائفة الناجية المنصورة التي ابتدأ المصنف بذكرها في مقدم رسالته، بقوله: (أما بعد، فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، أهل السنة والجماعة).
ولما وصف الله هذه الأمة بأنها وسط، أمكن أن يقال: إن هذه الطائفة الناجية المنصورة أهل السنة والجماعة، فهم وسط بنص القرآن، ووجه النص من القرآن هو نفس قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] لأن المقصود بالأمة هنا أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحق الأمة في هذه الوسطية هم من اقتفى أثره عليه الصلاة والسلام، وهم أصحابه، ثم التابعون لهم، وإن كان هذا لا يمنع أن يدخل في الوسطية العامة التي وصفت بها هذه الأمة من عنده نقص في مقام التحقيق للسنة، فإن الوسطية العامة أخص من جهة أنها شهادة، بخلاف الوسطية الخاصة، التي وصفت بها الطائفة الناجية المنصورة، وهم أهل السنة والجماعة، فهي أعم من جهة متعلقاتها.
من هذا الوجه يكون إجماع أهل السنة والجماعة واجباً على سائر المسلمين أن يتبعوه، ويعنى بذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الإجماع إجماع معروف ومنضبط.