إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَنْوِيَ الْغُسْلَ مِنْ أَوَّلِ شُرُوعِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غُسْلِهِ فَهَذَا كَمَالُ الْغُسْلِ وَالْوَاجِبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ النِّيَّةُ فِي أَوَّلِ مُلَاقَاةِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ لِلْمَاءِ وَتَعْمِيمِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ بِالْمَاءِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْبَدَنُ طَاهِرًا مِنَ النَّجَاسَةِ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سُنَّةٌ وَيَنْبَغِي لِمَنِ اغْتَسَلَ مِنْ إِنَاءٍ كَالْإِبْرِيقِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَنْجَى وَطَهَّرَ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَغْسِلْهُ الْآنَ رُبَّمَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ غَسْلُهُ لِتَرْكِ ذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَهُ احْتَاجَ إِلَى مَسِّ فَرْجِهِ فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى كُلْفَةٍ فِي لَفِّ خِرْقَةٍ عَلَى يَدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ كَثِيرِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّلْكَ فِي الْغُسْلِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ إِلَّا مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَمَنْ سِوَاهُمَا يَقُولُ هُوَ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَمْ يُوجِبْ أَيْضًا الْوُضُوءَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إِلَّا دَاوُدَ الظَّاهِرِيَّ وَمَنْ سِوَاهُ يَقُولُونَ هُوَ سُنَّةٌ فَلَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ صَحَّ غُسْلُهُ وَاسْتَبَاحَ بِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الْغُسْلِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مُعْظَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا بَقِيَ فَلَهُ دَلَائِلُ مَشْهُورَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ إِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَقَدْ جَاءَ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ وَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَالْمُخْتَارُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَتَأَوَّلُ رِوَايَاتِ عَائِشَةَ وَأَكْثَرَ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَهُ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ مَيْمُونَةُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ جَمِيعًا فِي تَقْدِيمِ وُضُوءِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015