قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ بَيَانِ الْحَقِّ وَضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْبَعُوضَةِ وَشِبْهِهَا كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى أن الله لا يستحي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَكَذَا أَنَا لَا أَمْتَنِعُ مِنْ سُؤَالِي عَمَّا أَنَا مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ وَلَا يُبِيحُهُ وَإِنَّمَا قَالَتْ هَذَا اعْتِذَارًا بَيْنَ يَدَيْ سُؤَالِهَا عما دعت الحاجة إليه مما تستحي النِّسَاءُ فِي الْعَادَةِ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُ وَذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا وَلَا يَمْتَنِعَ مِنَ السُّؤَالِ حَيَاءً مِنْ ذِكْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقِيٍّ لِأَنَّ الْحَيَاءَ خَيْرٌ كُلُّهُ وَالْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَالْإِمْسَاكُ عَنِ السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ بِخَيْرٍ بَلْ هُوَ شَرٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ حَيَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَهْلُ العربية يقال استحيا بياء قبل الألف يستحي بِيَاءَيْنِ وَيُقَالُ أَيْضًا يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمُضَارِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا أُفٍّ لَكِ) مَعْنَاهُ اسْتِحْقَارًا لَهَا وَلِمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَالْإِنْكَارِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالْمُرَادُ بِهَا