تَعَالَى وَجْهًا رَابِعًا وَهُوَ أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا لِكَوْنِهَا حَالَةً يُؤْمَنُ فِيهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنَ السَّبِيلِ الْآخَرِ فِي الْغَالِبِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْقُعُودِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ الْبَوْلُ قَائِمًا أَحْصَنُ لِلدُّبُرِ وَيَجُوزُ وَجْهٌ خَامِسٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لِلْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَكَانَتْ عادته المستمرة يبول قاعدا ويدل عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا أَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ وَلَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا ثَابِتٌ فَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا إِلَّا لِعُذْرٍ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تحريم قال بن الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَوْلِ قَائِمًا فَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وزيد بن ثابت وبن عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُمْ بَالُوا قِيَامًا قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هريرة رضى الله عنهم وفعل ذلك بن سيرين وعروة بن الزبير وكرهه بن مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ بَالَ قَائِمًا وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ كَانَ فِي مكان يتطاير إليه من البول شئ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَطَايَرُ فَلَا بأس به وهذا قول مالك قال بن الْمُنْذِرِ الْبَوْلُ جَالِسًا أَحَبُّ إِلَيَّ وَقَائِمًا مُبَاحٌ وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا كلام بن الْمُنْذِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا أَظْهَرُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُونَهُ بَلْ يَفْرَحُونَ بِهِ وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ جَازَ الْبَوْلُ فِي أَرْضِهِ وَالْأَكْلُ مِنْ طَعَامِهِ وَنَظَائِرُ هَذَا فِي السُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ احْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّةً بِهِمْ بَلْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دُورِهِمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فَأُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لَقُرْبِهَا مِنْهُمْ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونُوا أَذِنُوا لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ إِمَّا بِصَرِيحِ الْإِذْنِ وَإِمَّا بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّبَاطَةِ الَّتِي بِقُرْبِ الدُّورِ مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّبَاعُدُ فِي الْمَذْهَبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الشُّغْلِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ بِالْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ فَلَعَلَّهُ طَالَ عَلَيْهِ مَجْلِسٌ حَتَّى حَفَزَهُ الْبَوْلُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّبَاعُدُ وَلَوْ أَبْعَدَ لَتَضَرَّرَ وَارْتَادَ السُّبَاطَةَ لِدَمَثِهَا وَأَقَامَ حُذَيْفَةُ بِقُرْبِهِ لِيَسْتُرَهُ عَنِ النَّاسِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عند عقبيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015