أَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ وَقِيلَ مَلَامَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسَّرَهُ لَهُ وَخَلَقَهُ لَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَغَشَّاهَا وَأَكَنَّهَا وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سابقته فيهم وتمضي كلمته لاراد لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015