تَعَالَى ذَلِكَ كَمَا هَمَّ بِالْكِتَابِ فِي أَوَّلِ مَرَضِهِ حِينَ قَالَ وَارَأْسَاهُ ثُمَّ تَرَكَ الْكِتَابَ وَقَالَ يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ نَبَّهَ أُمَّتَهُ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ بِتَقْدِيمِهِ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَحْكَامِ الدِّينِ وَرَفْعِ الْخِلَافِ فِيهَا فَقَدْ عَلِمَ عُمَرُ حُصُولَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ وَاقِعَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَفِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ بَيَانُهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَفِي تَكَلُّفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ مَعَ شِدَّةِ وَجَعِهِ كِتَابَةَ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ وَرَأَى عُمَرُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ إِيَّاهُ نَصًّا أَوْ دلالة تخفيفا عليه ولئلا ينسد بَابُ الِاجْتِهَادِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ وَقَدْ كَانَ سَبَقَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ لَهُمُ الْأَجْرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَرَأَى عُمَرُ الصَّوَابَ تَرْكُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ التَّخْفِيفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَى عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِصْوَابِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ تَوَهَّمَ الْغَلَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ظَنَّ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ بِحَالٍ لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا غَلَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَجَعِ وَقُرْبِ الْوَفَاةِ مَعَ مَا اعْتَرَاهُ مِنَ الْكَرْبِ خَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِمَّا يَقُولُهُ الْمَرِيضُ مِمَّا لَا عَزِيمَةَ لَهُ فِيهِ فَتَجِدُ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُونَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ أَنْ يَجْزِمَ فِيهَا بِتَحْتِيمٍ كَمَا رَاجَعُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْخِلَافِ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَأَمَّا إِذَا أَمَرَ بِالشَّيْءِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ فَلَا يُرَاجِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَالَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ رَفَعَ دَرَجَتَهُ فَوْقَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ فَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ وَالْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ وَقَدْ سَهَى فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ حُدُوثُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَرَضِهِ فَيَتَوَقَّفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ حَقِيقَتُهُ فَلِهَذِهِ الْمَعَانِي وَشَبَهِهَا رَاجَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ فَاسْتَصْوَبَ عُمَرُ مَا قَالَهُ قَالَ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى حَدِيثِ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رحمة رجلان أحدهما مغموض عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ وَالْآخَرُ مَعْرُوفٌ بِالسُّخْفِ وَالْخَلَاعَةِ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا