"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((إذا أنشأت بحرية)) " أي ظهرت سحابة بحرية أي من جهة البحر ((ثم تشاءمت)) أخذت إلى جهة الشام، يعني جاءت من الغرب ثم مالت إلى جهة الشمال ((فتلك عين غديقة)) أي غزيرة، تصغير غدقة، كما في قوله تعالى: {مَّاء غَدَقًا} [(16) سورة الجن] أي كثيراً، وهذا الخبر أحد أحاديث أربعة بقيت منقطعة، ابن عبد البر -رحمه الله- تولى وصل جميع ما في الموطأ من المقاطيع إلا أربعة أحاديث هذا واحد منها، ووصله ابن الصلاح في جزء له مطبوع، على كل حال ((إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة)) الآن الارتباط بين كثرة المطر والريح، هل نقول: إن زيادة هذه العين وهذا الماء الكثير سببه الرياح التي ساقتها من جهة الغرب إلى جهة الشمال؟ أو نقول: هذا سبب والمسبب هو الله –جلا وعلا- كما نقول: إننا أصبنا ببردٍ شديد بسبب الريح الشمالية النسرية الغربية الذي يقوله الناس؟ نعم، هذه أسباب والمسبب هو الله -جل وعلا-، يقول ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعرفه من وجه من الوجوه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في الأم، يعني عن محمد بن إبراهيم بن أبي يحيى عن إسحاق .. إلى آخره، وسنده ضعيف حتى عند الشافعي -رحمه الله-.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: "مطرنا بنوء الفتح" بنوء الفتح هل هناك نوء يقال له: الفتح؟ نجم يقال له: الفتح؟ ما في، إذاً ما الفتح؟ فتح ربنا، رداً لما عليه المشركون من إضافة المطر إلى الأنواء يعني مخاطبة القوم باصطلاحهم، بعبارة وأسلوب شرعي، هم قالوا: بنوء، وهو قال: بنوء، ما يخالف، لكن بدل ما هو بنوء كذا وكذا يعني المجدح، نعم نوء الفتح، "ثم يتلو هذا الآية: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} [(2) سورة فاطر] " هذا هو الفتح الذي مطرنا بنوئه، {مِن رَّحْمَةٍ} [(2) سورة فاطر] مطر ورزق وهذا مثل السابق، وفيه إثبات الرحمة لله -جل وعلا- {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [(2) سورة فاطر] أي لا يستطيع أحد أن يمنعها عنهم، {وَمَا يُمْسِكْ} [(2) سورة فاطر] يمنع من الرحمة فإنه لا مرسل ولا مطلق لهذه الرحمة إذا أمسكها أحد من بعده، فيكف يصح إضافته للأنواء وهي مخلوقة؟!
سم ...