صنيع الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه يؤيد كلام ابن القيم؛ لأن البخاري -رحمه الله- رتب الغزوات في أولويتها تبعاً لأوليتها فجعل غزوة الخندق متقدمة في الترتيب على غزوة ذات الرقاع، فالخندق عنده رقم تسعة وعشرين في كتاب المغازي، وذات الرقاع رقم واحد وثلاثين، فدل على أنه يرى أن ذات الرقاع كانت بعد الخندق، وحينئذٍ يرتفع الإشكال الذي يريده مثل ابن الماجشون.
أشار البيهقي إلى أن ذات الرقاع اسمٌ لغزوتين مختلفتين، فالذي قال: إن ذات الرقاع قبل الخندق سنة أربع يقصد بها الأولى من غزوتي ذات الرقاع، والذي قال: إنها بعد الخندق يقصد بها الثانية التي حصلت فيها صلاة الخوف، هذا ما أشار إليه البيهقي.
عرفنا أن صلاة الخوف جاءت على وجوه متعددة، يقول الإمام أحمد: ستة أو سبعة كلها صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى هذا تفعل كلها في الأحوال المناسبة لكل صفة، على أن يراعى في ذلك الأحوط للصلاة والأبلغ في الحراسة.
وذكر ابن حبان في صحيحه تسع صور لصلاة الخوف، أما من حيث الورود فكما سمعتم الإمام أحمد ست أو سبع وابن حبان تسع، لكن من حيث التصوير تبعاً لعدد ركعات الصلاة وتبعاً لاختلاف مواقع العدو فيمكن أن تصل الصور إلى أكثر من ذلك؛ لأن المسألة مسألة محافظة على الصلاة، وأداء الصلاة على وجهٍ يكون أقرب إلى الوجه الذي شرعت عليه في الأمن، ومع ملاحظة الحراسة والاحتياط من العدو، فإذا افترضنا أن هذه الصلاة في ثنائية إذا كانت الصلاة ثلاثية يزيد صورة، إذا كانت الصلاة رباعية يزيد صورة وهكذا، وإذا كان العدو في جهة جهة اليمين جهة الشمال جهة الخلف، الأمام، المقصود أن هذه الصور أصلها ما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، والتصرف تبعاً لذلك ملاحظةً لأداء الصلاة في وقتها، وهذا من أهم المهمات أن تؤدى الصلاة في وقتها، وأن تؤدى جماعة، وهذا من أقوى الأدلة مشروعية صلاة الخوف من أقوى الأدلة على وجوب صلاة الجماعة؛ لأنها إذا لزمت المحافظة على صلاة الجماعة في هذا الظرف مع شيء من الخلل اللاحق بالصلاة من أجل المحافظة على الجماعة فالمحافظة عليها في الأمن من باب أولى.