"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين جهر: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ )) فقال الرجل: ((بلى)) " قد يكون وصفه بالنفاق على حدِّ زعم من ساره، يعني توقع أنه منافق؛ لأن ميله وهواه كما قالوا في قصة عتبان ووجهه إلى المنافقين، فحكموا عليه بالنفاق من خلال هذا الميل، لكن مثل هذا لا يكفي إلى أن يحكم عليه وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ويصلي مع الناس، ويقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه "فقال الرجل: بلى، ولا شهادة له" تصور أنه يقولها في الظاهر من غير اعتقاد، ويستدل بذلك يستدل على ذلك بفعله؛ لأن ميله إلى المنافقين "بلى، ولا شهادة له، فقال: ((أليس يصلي؟ )) قال: بلى، ولا صلاة له" لأنه ارتكب أمراً عظيماً محبطاً للعمل على حد توهمه "فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أولئك الذين نهاني الله عنهم)) لأنه نهي عن قتل المصلين، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهي عن قتل المصلين، وكلِّم مراراً في قتل المنافقين المعلوم نفاقهم فامتنع -عليه الصلاة والسلام-، معللاً بأن لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
ما موقف الأعرابي البعيد عن مخالطة النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا بلغه أنه قتل أناس يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويصلون معه ولو كانوا لا يعتقدون ذلك، في هذا صد عن دين الله، فإذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، قال: لا، ندخل في دينٍ يقتل أصحابه! فيكون في هذا صد عن الدين.
يعني على سبيل التنزل أنك قلت: لا شهادة له، والشهادة أمرٌ قلبي، وأنت لا تعرف عن حقيقة قوله، وعلى سبيل التنزل لو افترضنا أنه منافق، هؤلاء الذي لا أقتلهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، وما دام يصلي فقد نهيت عن قتل المصلين.
هذا المنافق ما دام يشهد أن لا إله إلا الله ويصلي مع الناس، ونفاقه في قلبه، وبين قومه من مثله ممن لا يشهد عليه بالنفاق، وبما ينقض الشهادة يترك، لكن إذا شهد عليه أنه جاء بمكفر، ارتكب مكفراً، أو بما ينقض شهادة أن لا إله إلا الله بالبينة يستتاب ثلاثاً إن تاب وإلا قتل، تكون ردة نعم.