على كل حال تخصيص هؤلاء يقول أهل العلم: إن الليل مظنة معصية؛ لأن فيه استتار، وفيه خفاء، اختفاء عن الأنظار، فالتنصيص على هؤلاء الذين باتوا؛ لتحذير العصاة، تظنون أنكم ما كتب عليكم شيء في هذا الليل لخفاء فعلكم؟ هؤلاء الذين باتوا فيكم يعرجون، مسجلين ما صنعتم، ومع ذلكم يسألهم الله -جل وعلا- وهو بهم أعلم لإظهار الحكمة في خلق الإنسان ((يسألهم وهو أعلم بهم)) يسأل الملائكة ((كيف تركتم عبادي؟ )) ليظهر في عالم الشهود للملائكة، ويبين لهم أن قولهم السابق {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} [(30) سورة البقرة] أنه له حقيقة وإلا ما له حقيقة؟ نعم؟ ليس على إطلاقه؛ لأنهم عمموا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} [(30) سورة البقرة] لأنه وإن وجد من يفسد إلا أنه وجد ((تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)) فيوجد من يفسد، ويوجد من يتعبد، كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل].
((كيف تركتم عبادي؟ )) كيف تركتموهم؛ لأن الأعمال بالخواتيم، ولم يقل: كيف وجدتموهم، يعني لما وصلتم إليهم كيف وجدتموهم؟ المقصود كيف تركتموهم في آخر الأمر؛ لأن الأعمال بالخواتيم ((فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)) فبدأوا بالترك؛ لأن ختم العمل أولى من بدايته، وإن كانت البداية من حيث الزمن متقدمة، لكن من حيث الأهمية الختم أولى من البداية.
هذا يسأل يقول: هل يسن الخروج إلى المسجد إذا تيقن فوات الجماعة الأولى، وكان يرجو أن يدرك جماعة أخرى بعدها؟
نعم، إذا كان يرجو جماعة أخرى فالخروج له مبرر؛ لأن صلاة الرجل مع آخر أزكى من صلاته وحده، وفيه تحصيل لأجر الجماعة، ولا شك أن هذا هدفٌ صحيح، ومقصدٌ شرعي.
يقول: أفضل الكتب لإعراب القرآن؟