"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق" أبي أمية البصري، نزيل مكة، ضعيف، قال ابن عبد البر: "ضعيف باتفاق أهل الحديث"، وقد عرف عن مالك -رحمه الله تعالى- التحري والتثبت، وأنه لا يروي إلا عن ثقة، هذا المعروف عن مالك -رحمه الله تعالى-، لكنه اغتر بهذا الرجل، غره بكثرة جلوسه في المسجد، الإمام مالك اغتر فروى عنه، وإلا الأصل أن مالك لا يروي إلا عن الثقات، وهو من أهل التحري والتثبت، لكن من يسلم من الوقوع في الخطأ والوهم؟ الإنسان يشترط على نفسه شيء ثم بعد ذلك يحصل له إخلال بهذا الشرط، ولذا لو قال العالم: إني لا أروي إلا عن ثقة، فهل يقتضي قبول والاحتجاج بكل من روى عنهم بناءً على هذه القاعدة التي اختطها لنفسه؟ أو لو قال: شيوخي كلهم ثقات، أو لا أروي إلا عن ثقات لا يجزئ؛ لأنه قد يغفل، قد يغفل كما غفل مالك -رحمه الله تعالى-.
"عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن عباس رقد ثم استيقظ -نام ثم استيقظ- فقال لخادمه -الخادم لم يسمَ-: انظر ما صنع الناس؟ وهو يومئذ قد ذهب بصره" معروف أن ابن عباس كف بصره في آخر عمره، "فذهب الخادم ثم رجع فقال: قد انصرف الناس من صلاة الصبح، فقام عبد الله بن عباس فأوتر ثم صلى الصبح" يعني أوتر، يعني ترك الناس يصلون جماعة، وقال: اذهب انظر ماذا صنع الناس؟ نعم، قال: صلوا، ثم شرع في الوتر، ثم صلى الصبح، هل يظن مثل هذا بابن عباس؟ ما يظن به ذلك، والخبر معروف إن في إسناده هذا الرجل الضعيف، فلا يثبت، قد انصرف الناس من صلاة الصبح، قد يقول قائل: إنه قد يكون في حالة مرض مثلاً، معذور من حضور الجماعة، أو صلوا الناس في المساجد المجاورة ومسجده الذي يؤمه ابن عباس ما بعد صلوا هو يصلي بالناس احتمال، لكن لا يظن به أنه ينتظر ثم يقال: صلى الناس؟ ويريد أن يصلي بعد صلاة الناس في بيته، لا، فإما أن يقال: إنه معذور، أو يقال: صلى الناس في المساجد الأخرى، هذا على فرض ثبوت الخبر، وإلا ففي إسناده ما سمعتم.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن ربيعة -العنزي- قد أوتروا بعد الفجر".