ثم قال -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن عمر" قال ابن حجر: لا يعرف اسمه، "عن سعيد بن يسار -المدني- قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر بطريق مكة، قال سعيد: فلما خشيت الصبح نزلت –يعني عن دابتي- فأوترت -على الأرض- ثم أدركته -يعني لحقت به- فقال لي عبد الله بن عمر: أين كنت؟ -يعني لماذا تخلفت؟ - فقلت له: خشيت الصبح -يعني خفت طلوع الصبح الذي هو الحد لنهاية الوتر- فنزلت فأوترت فقال: عبد الله: أليس لك في رسول الله أسوة؟ "، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] هو الأسوة للجميع، لجميع أتباعه -عليه الصلاة والسلام-، "أليس لك في رسول الله أسوة؟ " وفيه إرشاد وتوجيه المتبوع لتابعه ما قد يخفى عليه من السنن، بالأسلوب المناسب كما هنا، "فقلت: بلى والله" فيه جواز الحلف ولو من غير الاستحلاف على الأمر المهم، ولا يعارض هذا قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] هذا في غير الأمور المهمة، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه حلف، ((والذي نفسي بيده)) كثير يقول هذا، وسيأتي شيء من هذا -إن شاء الله تعالى-، "فقلت: بلى والله، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر على البعير"، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوتر على البعير، الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما، باب: الوتر على الدابة في البخاري، وهذا صارف للأمر بالوتر؛ لأنه جاء الأمر به، صارف للأمر بالوتر من الوجوب إلى الاستحباب؛ لما ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي الفريضة على الدابة، ولو كان الوتر واجباً ما صلاه على الدابة، الحنفية يمكنهم الانفصال من هذا الصارف بأن يقولوا: كان لا يصلي الفريضة، ونحن نقول: الوتر ليس بفرض وإنما هو اجب، وإنما هو واجب، نعم الرسول لا يصلي الفريضة، لكن لا يمنع أن يصلي الواجب كالوتر، لما عرف من الفرق بين الفرض والواجب عندهم.