يعني: كتاب الصلاة التي ظرفها الليل، وصلاة الليل من أفضل الأعمال، وهي دأب الصالحين، يقول الله -جل وعلا-: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [(79) سورة الإسراء] ويقول -جل وعلا-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة]، ويقول -جل وعلا-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر]، المقابلة تقتضي أن يكون أهل القيام هم الذين يعلمون، وأهل الغفلة والنوم هم الذين لا يعلمون، فدل على أن العلم هذا الوصف الشريف إنما يستحقه من يعمل به، والذي لا يعمل به يستحق ضده، وهو عدم العلم {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [(9) سورة الزمر] هذا هو الباعث للمسلم على قيام الليل، ثم ذيل الآية بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] وهم أهل القيام والعمل {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] وهم أهل الغفلة والنوم، وإن حصلوا ما حصلوا من العلوم؛ لأن العلم الحقيقي هو ما نفع، أما العلم الذي لا ينفع فليس بعلم في الحقيقة، وإن حصل منه صاحبه ما حصل، وإن أدرك به من أمور الدنيا ما أدرك، ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، فالذين يحملون العلم ويستحقون هذا الوصف الشريف هم العدول، هم الذين يعملون بالعلم، أما الذي لا يعمل بعلمه ما الفائدة من علمه؟ لا فائدة، وجوده مثل عدمه، بل هو وبال على صاحبه، قد يقول قائل: إن هذه نافلة، فكيف يسلب الوصف مَن ترك النافلة؟ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] هذه نافلة، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عبد الله بن عمر: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فالمدح إنما عُلق على القيام، فكان عبد الله -رضي الله عنه- لا ينام من الليل إلا قليلاً، فهذا وصف أهل العلم، وهذا شأن أهل العلم، شأنهم العمل بما علموا، وما تعلموا، أما الذي لا