يقول: "حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه)) " يعني في الدين، ومن باب أولى أخوة النسب إذا اجتمعت مع الدين، فإذا اجتمعت مع الدين كان الحق أعظم، وإذا وجدت أخوة الدين فهي أقوى من أخوة النسب، وأخوة النسب المجردة عن الدين لها حقها من الصلة، يعني لا يمنع أن يصل أخاه ما لم يكن محارباً للمسلمين، المقصود أنه يقول: ((لا يحل)) يعني لا يجوز، بل يحرم للمسلم ((أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)) يهاجر سواءً كانت المهاجرة من الطرفين، بمعنى أن كل واحد منهما يهجر الآخر ولا يصله، أو من طرف واحد، بمعنى أن أحدهما هاجر لأخيه والثاني واصل، فالهاجر هو الذي لا يجوز له هذا الفعل، والثاني إن وصلهم مع القطيعة من قبلهم فكأنما يسفهم المل كما في الحديث الصحيح.
((لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)) فوق ثلاث ليال مفهومه أن الثلاث الليال تجوز المهاجرة فيها، تجوز القطعية فيها، ثلاث ليال، ولو كان مقصود القطع إن كان القطع مقصود، وعدم الصلة مقصودة لمشاحنة بينهما، فالنفس لها حظ، تُركت لها هذه الفرصة ثلاث ليال، وإلا فقد يهجر الإنسان أخاه شهراً ولا يأثم بمعنى أنه مجرد ترك من غير قصد للهجر، يعني كون الإنسان ما يزور أخاه إلا في الشهر مرة من بين مقتضٍ لهذا الهجر، ومن غير مقصد، من غير قصد لهذا الهجر وهذا الترك، والنفوس سليمة لم يداخلها شيء فلا مانع، بل الإنسان يرتب مع أخيه ويقول: والله أنا مشغول، وأنت مشغول لو تكون لنا دورية في الشهر مرة، هل نقول: إن هذا هجر أخاه فوق ثلاث؟ نعم؟ إنما المقصود به الهجر مع القطع، مع قطع الرحم الذي يقتضي القصد لهذا الهجر.
((فوق ثلاث ليال)) فالثلاث فما دون جائزة بمفهوم هذا الحديث؛ لأن النفس لها حظ، يعني تأخذ النفس شيئاً من حظها مما جبلت عليه في الشرع، كما أنه لا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا أن يكون الزوج، فالنفس أيضاً لوحظ حقها في مثل هذا.