"إلا أخذ أيسرهما" الأسهل، ونسمع كثير ممن يتصدر للإفتاء يستدل بهذا الحديث على اختيار الأيسر من أقوال أهل العلم، وهذا الكلام ليس بصحيح، بل باطل؛ لأن اختيار الأيسر من أقوال أهل العلم هو ما يعرف عند أهل العلم بتتبع الرخص، لما كان هناك اختيار نعم الرسول اختار الأيسر، لكن الآن هل في اختيار؟ الآن هل في مندوحة أن تأخذ بالواجب أو لا تأخذ؟ يعني إذا قال مالك أو الجمهور قالوا: طواف الوداع واجب، وقال مالك: سنة، هل لنا خيار في أن ننظر في رأي مالك؟ نختار الأيسر منهما؟ هل هذا محل الحديث وإلا لا؟ محل الحديث لما كان هناك مجال للاختيار، الآن انتهى، كملت الشريعة، كمل الدين، فلا في مجال للاختيار، في مجال راجح ومرجوح، فنأخذ بالراجح ونترك المرجوح، ما في مندوحة ولا في خيار، وإلا لجعلنا مالكاً ومن يضاهيهم من أهل العلم هم أهل التخيير للناس، وهذا ليس بصحيح الذي يخير من بيده الخيار {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما فيه، ما في خيار، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر بطواف الوداع، وخفف عن الحائض والنفساء، هل هذا واجب وإلا مستحب؟ لو كان مستحب ما فيه مجال للتخيير، ما فيه مجال للتخفيف، أصل المستحب خفيف، أقوى الناس وأنشط الناس له أن يتركه ما دام مستحب، لكن التخفيف عن النساء النفساء والحيض دليل على أنه واجب، وليس هذا مجال للتخيير، التخيير فيما جاء فيه التخيير، كفارة اليمين {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [(89) سورة المائدة] اختر الأيسر أنت من الثلاثة، تقول: والله رقبة بمائة ألف، والكسوة بألف مثلاً للعشرة، وخمسة عشر كيلو رز بثلاثين ريال أو بخمسين ريال مثلاً، اختر الأيسر؛ لأنه في مجال للتخيير من قبل من يملك التخيير، أما سائر الناس ما لهم خيرة، في دليل راجح ومرجوح، وإذا ترجح عند الإنسان حكم لا يجوز له أن يتنازل عنه بحال من الأحوال، ليس له أن يتنازل، بل يجب عليه أن يعمل وأن يفتي بما يدين الله به، أما أن يترجح