وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة".
وحدثني عن مالك أنه قد بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بعثت لأتمم حسن الأخلاق)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب حسن الخلق:
الكتاب مضى الكلام فيه مراراً، فهذا هو الكتاب السابع والأربعون من كتب الموطأ، فلا داعي للكلام في هذه الكلمة، والحسن ضد السوء، وهو ما تستخفه النفس، وتميل إليه، وتحبه، والخلق هو الدين والطبع والسجية، ويأتي بمعنى الأدب الشرعي، كما جاء في الخبر: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)) وجاء أيضاً قول عائشة: "كان خلقه القرآن" يعني خلق النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فهو أكمل الناس في الخلق -عليه الصلاة والسلام-، خلقه القرآن، فحياته وعيشته، وسيرته، وشمائله ترجمة عملية للقرآن، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [(4) سورة القلم] هذا بالنسبة لحسن الخلق.
وإذا قلنا: إن حسن الخلق المراد به الأدب الشرعي، فعلى طالب العلم أن يعنى بهذا الجانب، وينظر ما جاء في هذا الباب من نصوص الكتاب والسنة ليتأدب بها، ليكون مع علمه عاملاً بعلمه، قدوة لغيره، والكتاب العزيز والسنة المطهرة فيها الشيء الكثير مما يحتاجه المسلم لا سيما طالب العلم في تعامله مع الناس، والخلق كما يكون في التعامل مع الله -جل وعلا- يكون في التعامل مع النفس، ومع الأقربين من الوالدين والإخوة والأخوات، والعمات، والأعمام، والأخوال، والخالات، وسائر الأقارب، ويكون أيضاً مع المسلمين، ومع غيرهم ممن له عهد أو ميثاق، لا بد أن يتعامل مع كل إنسان بما يليق به، ولذا يترجمون باب البر والصلة والآداب، باب البر والصلة والآداب، فالبر يكون لأقرب الناس للوالدين، والصلة للأقارب، والآداب مع سائر الناس.