إيه الإمام مالك يريد أن يلفت نظر المسلم والقارئ لهذا الكتاب على وجه الخصوص أن يجعل الكتاب والسنة هما القائد، فإذا حاد عنهما يميناًَ أو شمالاً لا بد أن يضل، ولا يمكن أن يصل إلى الصراط المستقيم من غير طريق الكتاب والسنة.
قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: كل شيء بقدر" والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(49) سورة القمر].
"قال طاوس: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل شيء بقدر)) " يعني موافق لما في القرآن، والتمثيل له ببعض الأفراد ((حتى العجز والكيس)) أو ((الكيس والعجز)) شك هل قدم العجز أو قدم الكيس؟ الكيس الحزم، الحزم هو الكيس، والعجز والتفريط ضده، يعني كون الإنسان إذا أمر فاستجاب بسرعة هذا كيس، إذا أمر ثم تراخى وتردد، أو رأى إلى عمل هو بحاجة إليه مما ينفعه في دينه أو دنياه بادر إلى فعله هذا كيس، وإذا تراخى حتى يفوت هذا عجز، وكل هذا بقدر الله -جل وعلا-.
قال: "وحدثني مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته: "إن الله هو الهادي والفاتن" نعم الله -جل وعلا- هو الذي علم هذه الأمور وكتبها وقدرها على خلقه، فهو الهادي لمن يشاء، وهو المضل لمن يشاء، لكن من حيث الأسلوب يعني حقيقة الأمر هذا هو الواقع، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فالله -جل وعلا- هو الهادي وهو المضل، وهو الفاتن عن الصراط المستقيم، لكن لما علم الله -جل وعلا- من هؤلاء الهداة يعملون بعمل أهل الهداية، والغواة يعملون بعمل أهل الغواية.