أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعي هُنياً على الحمى، فقال: يا هني اضمم جناحك عن الناس، واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة، ورب الغنيمة، وإياي ونعم بن عوف، ونعم بن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيته يأتني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك، فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وأيم الله إنهم ليرون إني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم، قاتلوا عليها في الجاهلية، واسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب دعوة المظلوم
يعني في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بعث معاذً إلى اليمن قال له: ((واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) دعوة المظلوم مستجابة.
قال: "حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعي هُنياً" اسمه هُني، استعمله على الحمى، مراقب مشرف على الحمى، والحمى: ما يحميه السلطان، فإن كان الحمى لإبل الصدقة، وما يتعلق ببيت المال، وأنعام بيت المال هذا له سلف، الخلفاء حموا، وإن كان لأمواله الخاصة فهذا لم يسبق عند الراشدين، وإن استعمله الملوك من بعدهم، وجاء التشبيه بمن يقرب من المعاصي، ويتناول الشبهات كالراعي يرعى حول الحمى، فإذا رعى الراعي حول الحمى دخلت مواشيه حول الحمى، وتعرض للأذى من قبل من حماه.
فقال: "يا هُني اضمم جناحك عن الناس" يعني خفف عليهم، لا تشق عليهم، ولا تشدد عليهم، يعني لو افترض أنه دخلت شاة أو دابة أو شيء من ذلك، أو ناقة، أو جمل ورعى شيئاً من الحمى لا تؤذي صاحبها، واكتفي بإبعادها "اضمم جناحك عن الناس، واتقِ دعوة المظلوم" اجعل بينك وبينها وقاية فلا تظلم "فإن دعوة المظلوم مستجابة" وفي حديث معاذ الذي أشرنا إليه: ((ليس بينها وبين الله حجاب)).