كتاب الزكاة الواجبة المفروضة تقدم، وهذا في الصدقة غير الواجبة، والأليق أن يكون بعد كتاب الزكاة، لكن الإمام جعله في الكتاب الجامع، للمفارقة بينهما من حيث الحكم؛ لأن هذه أقرب إلى السنن والآداب والأخلاق والكرم هذه أقرب ولكل وجه.
قال:
باب: الترغيب في الصدقة
"حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تصدق بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً-)) وجاء قول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] الخبيث هو مقابل للطيب ((ولا يقبل الله إلا طبياً)) هل معنى هذا أن الرديء لا يقبل؟ أو المقابل للطيب هنا ... ؛ لأن الطيب يطلق ويقابله الخبيث، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] الخبيث منه ما هو حلال ومنه ما هو حرام، أم الحرام فهذا لا يقبله الله -جل وعلا-، لا يقبل الله إلا طيباً، لا يقبل الخبيث بمعنى الحرام، وأما الخبيث بمعنى الدون الأقل فمثل هذا مقبول؛ لأنه ينتفع به، لكن المرغب فيه أكثر هو الطيب، ولو قدر أن إنساناً عنده أنواع من التمر كلها صالحة للأكل من قبل بني آدم، وزاد عنده مقدار من النوع المتوسط أو الأقل، لكنه يؤكل، كثير من الناس يتمناه، لو افترضنا أنه عنده نوع جيد الكيلو بخمسين مثلاً، وعنده نوع آخر الكيلو بثلاثين، وعنده ثالث الكيلو بعشرة، الآن الأجود أبو الخمسين، ودونه أبو الثلاثين، والأقل أبو العشرة، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] يعني لو قدر لك تمر سلم عند أحد من النوع الجيد ما أنت بآخذ أبو عشرة إلا أن تقول: آخذ هذا ولا يضيع مالي؛ لأنه ما في بديل، إلا أن تغمضوا فيه، هل نقول: إن هذا الأردأ الأقل لا تجوز الصدقة به، والله -جل وعلا- يقول: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] قالوا: معناه أنه الأقل، ومثله ما قيل في كسب الحجام ونحوه.