هذا الأسلوب وهذا التعبير إنما هو معروف عند الأشعرية الذين لا يثبتون تأثير الأسباب، فتجدهم يقولون: إن الشبع يكون عند الأكل لا به، والري يكون عند الشرب لا به، فهذا من أساليبهم، وابن القيم ينقل هذا القول عن غيره، ولا يمنع أن يكون هذا القائل منهم، وإلا فالأصل أن السبب له أثر، لا يؤثر بنفسه، إنما بجعل الله -جل وعلا- الأثر فيه، يعني لا يستقل بالتأثير، إنما الله -جل وعلا- رتب هذا المسبب على هذا السبب، وقد يتخلف المسبب لوجود مانع معارض، وإنما هو سبب مثلما قلنا سابقاً: إن هذا الرجل الذي قدرت له هذه المشاكل، وكتبت عليه في اللوح المحفوظ، قارنت وجود هذه المرأة، يعني وافقت أن تكون في عصمته هذه المرأة، فظن أن هذه المشاكل منها، وهي مكتوبة مقدرة عليه، ولو تزوج غيرها، وكذلك الدار مكتوب علي أنه يسقط مراراً وينكسر، سواءً كان في الدار أو من الفرس، أو ما أشبه ذلك، سواءً كان في هذه الدار أو في غيرها، لكن لكثرة ملابسة الناس ومخالطتهم لهذه الأمور الثلاثة تجدهم يضيفون إليها هذه الأشياء في الجاهلية، ثم كثير من الناس لا يستطيع التخلص من الطيرة ((وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل)) فعلى الإنسان أن يتوكل على الله -جل وعلا-، وإذا وجدت هذه الأمور، وخشي أن تتطور، وانتقل من البيت لا مانع من أن ينتقل، وأن يبيع الفرس، ويبيع السيارة، لا مانع من ذلك خشية أن يقع في حرج أعظم، ولذلك لما جاء الحديث الصحيح: ((لا عدوى ولا طيرة)) ثم وفيه: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) يعني هل آخر الحديث ينقض أوله؟ لا، لا عدوى مطلقاً، ولكن الفرار من المجذوم لئلا يتفق إصابة الصحيح بهذا المرض عند مخالطة هذا المريض أو على إثر مخالطة هذا المريض، ثم يقع في نفسه إثبات ما نفاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا حرج عظيم، فيحسم المادة بالكلية، ويبتعد عن الممرض، لا يورد على المصح، وكذلك يبتعد عن المجذوم؛ لئلا يقع في الحرج من مخالفة النص الصحيح، من هذه الحيثية، نعم.
أحسن الله إليك.