فهي حرف جر، والشوكةُ عاطفة على الضمير في يصيب، والشوكةَ بإضمار عامل، حتى ما إذا وجد الشوكة، أو حتى وجدانها الشوكة، ففيه الوجوه الثلاثة.
((حتى الشوكة)) والمراد بالشوكة ما ينفذ في جسد المرء من شيء حاد سواءً كانت من الحديد، أو من الخشب أو ما أشبه ذلك، حتى الإبر التي تحقن في جسد المريض، هذه حكمها حكم الشوكة، فإذا صبر واحتسب على ذلك أجر عليه.
((حتى الشوكة إلا قص بها أو كفر بها من خطاياه)) ((من خطاياه)) يدل على أنها قد لا تأتي على جميع الذنوب، وقوله: ((إلا حات الله بها خطاياه)) يعني بذلك جميع الذنوب، وهذا يؤيد ما سبق ذكره من أن الذنوب تختلف في كبرها وصغرها، كما أن هذه المصائب متفاوتة، فالذي يكفر بالزكام، ليس مثل الذي يكفر بسرطان أو بطاعون، أو ما أشبه ذلك، هذه متفاوتة.
"لا يدري يزيد بن خصيفة أيهما قال عروة بن الزبير" قص أو كفر؛ لأن هذه شك من الراوي، وإلا قص بها يعني كفر نفس الرواية الأخرى، لكن من باب تحري اللفظ الوارد، فهم يشكون في أدنى شيء، ثم بعد ذلك يأتون باللفظين المترادفين.
"وحدثني مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) " لأن هذه المصائب تأتيه رغم أنفه من غير طوعه واختياره، وإلا لو خير الإنسان أن يصاب أو لا يصاب ما اختار المرض، فإنه لا يختار المرض حينئذٍ، لماذا؟ لأن العافية مطلوبة للناس كلهم، طلب الصحة غريزي، ولذا تجد الإنسان إذا أصيب يهرع إلى من يداويه ويعالجه، فكونها تأتيه على غير طوعه واختياره هذا خير له؛ لأن هذا من إعانته على ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، سواءً كان ذلك برفع درجاته أو بالحط من سيئاته، ((من يرد الله به خيراً يصيب منه)) بخلاف الذي لا يمرض مطلقاً، أو لا يمرض إلا نادراً كما سيأتي في الحديث الذي يليه.