"قال مالك: والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعداً" يعني ولو كانت خطأ، لا تكون على العاقلة فيما دون الثلث؛ لأن هذا لا يجحف بماله، مثل ما تجحف الدية الكاملة، أو نصفها، أو ثلثها، فما بلغ الثلث فهو على العاقلة "وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة".
"قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاءوا" هذا كله تأييد لما تقدم، وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة، إن وجد له مال، يعني إذا عدلوا أولياء المجني عليه بقتل العمد، إن عدلوا إلى الدية، هل مع الدية كفارة أو ليس فيها كفارة؟ نعم؟ منهم من يقول: فيه كفارة من باب أولى، ومنهم من يقول: هو أعظم من أن يكفر كاليمين الغموس، هو أعظم من أن يكفر ولم يذكر فيه كفارة بالنص، وإنما الكفارة في قتل الخطأ، ومن يقول بوجوب الكفارة عليه يقول: هو من باب قياس الأولى، إذا وجبت الكفارة على القاتل خطأ فلئن تجب على القاتل عمداً من باب أولى.
"وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة إن وجد له مال، فإن لم يوجد مال كان ديناً عليه، وليس على العاقلة منه شيئاً إلا أن يشاءوا" على ما تقدم.
"قال مالك: ولا تعقل العاقلة أحداً أصاب نفسه عمداً أو خطأ بشيء" لأنه هو الجاني على نفسه، وليس فيه دية، لم يجب عليه دية حتى يعان بها، هذا في حال الخطأ، أما في حال العمد فهو أبعد إذا جنى على نفسه، وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا، ولم أسمع أن أحداً ضمن العاقلة من دية العمد شيئاً، ومما يعرف به ذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [(178) سورة البقرة] يعني عفي له من القصاص شيء، وعدل عن القصاص إلى الدية، فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، يعني عليه أن يتبع بالمعروف، وأن يؤدي بإحسان.
"فتفسير ذلك فيما نرى -والله أعلم- أنه من أعطي من أخيه من العقل فليتعبه بالمعروف، وليؤد إليه بإحسان.