قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم" كأنه سرق مرتين فقطعت يده اليمنى في المرة الأولى، ثم رجله اليسرى في المرة الثانية "قدم المدينة من اليمن، فنزل على أبي بكر الصديق" الخليفة "فشكا إليه أن عامل اليمن قد ظلمه، فكان يصلي من الليل" ليغر الخليفة الراشد بتنسكه، ويبرهن على ظلم من قطعه "فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق" يعني هذا عبد صالح يقوم من الليل، كيف يتهم بسرقة؟ يعني الناس يحسنون الظن بالعابد الذي يتعبد، يحسن الناس به الظن كثيراً، وهذا هو الأصل، كما تقدم في كتاب الموطأ أن الإمام مالك -رحمه الله- خرج لعبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية، وهو ضعيف، ومن شرطه ألا يخرج إلا لثقة، فسئل، فقال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد.

لا شك أن الناس يغترون وينخدعون بمن ظاهره الصلاح، أو من يزيد على غيره في هذا الصلاح، ولو ظاهراً، والسرائر إلى الله -جل وعلا-، فلا شك أن التعامل إنما هو على الظاهر، والسرائر موكولة إلى الله -جل وعلا-، هذا بالنسبة لغير حقوق المخلوقين، يعني الأمور التي يكون فيها أكثر من طرف لا يؤثر مثل هذا العمل على الحكم في هذه القضية، لا بد أن تؤخذ بالعدل والمقدمات الشرعية، ثم تخرج النتائج شرعية، أما الأمور التي ليس فيها أطراف فإنه يعمل فيها بالظاهر، والأصل في المسلم العدالة، إذا لم يظهر منه علامات تدل على فسقه، فإنه إنما يعمل بظاهره، وفي حقوق العباد يطلب فيها التزكية، العدالة الباطنة، الخبرة الباطنة التي هي التزكية، ولذا الرواة يُطلب من يزكيهم، الشهود يُطلب من يزكيهم، لا بد، ولا يُكتفى بالظاهر إلا على قول من لا يشترط مزيداً على الإسلام في الراوي، فهذا قول معروف عند بعض أهل العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015