قال مالك -رحمه الله-: إذا كاتب القوم جميعاً كتابة واحدة، ولا رحم بينهم يتوارثون بها، فإن بعضهم حملاء عن بعض، ولا يعتق بعضهم دون بعض حتى يؤدوا الكتابة كلها، فإن مات أحد منهم وترك مالاً هو أكثر من جميع ما عليهم، أدي عنهم جميع ما عليهم، وكان فضل المال لسيده، ولم يكن لمن كاتب معه من فضل المال شيء، ويتبعهم السيد بحصصهم التي بقيت عليهم من الكتابة التي قضيت من مال الهالك؛ لأن الهالك إنما كان تحمل عنهم، فعليهم أن يؤدوا ما عتقوا به من ماله، وإن كان للمكاتب الهالك ولد حر لم يولد في الكتابة، ولم يكاتب عليه لم يرثه؛ لأن المكاتب لم يعتق حتى مات.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب الحمالة في الكتابة:
الحمالة يراد بها الضمان، الضامن والحميل والزعيم والكفيل، متقاربة، كلها ألفاظ متقاربة.
يقول مالك: "الأمر المجتمع عليه عندنا" يعني في مذهبهم، وفي بلدهم المدينة؛ لأن عمل أهل المدينة أصل عند الإمام مالك "الأمر المجتمع عليه عندنا أن العبيد إذا كوتبوا جميعاً كتابة واحدة" يعني دفعة واحدة، خمسة من العبيد كاتبهم سيدهم على أن يؤدوا إليه في كل شهر ألف، خمسين ألف، يؤدوا إليه في كل شهر ألف دفعة واحدة بعقد واحد، لم يعرف ما كتب عليه زيد ولا عبيد ولا عمرو ولا خالد ولا بكر، دفعة واحدة، كوتبوا جميعاً كتابة واحدة.
"فإن بعضهم حملاء عن بعض" يعني كما لو استدان بعضهم، جمع من الناس خمسة اشتروا سيارة، كتب عليهم العقد جميعاً، فإن كل واحد منهم يضمن ما على الآخر "فإنهم حملاء" لأنه لا يعرف نصيب كل واحد منهم، ولا قيمة كل واحد من هؤلاء الأرقاء.
"فإن بعضهم حملاء عن بعض، وإنه لا يوضع عنهم لموت أحدهم شيء" كوتبوا على خمسين ألف، ومات واحد، يذهبون إلى السيد يقولون: نزل قيمة واحد، يقول: لا، أنا ما كاتبت على واحد بعينه، أنا كاتبت الجميع بهذا المبلغ، بعضهم ضامن لبعض، فلا ينزل شيء إلا بطيب نفس منه.