أحياناً يكسد الولد أو تكسد البنت تعنس البنت، ثم يريد أن يدرجها بشيء من المال أو بالنحل، ثم بعد ذلك يقدم عليها الناس، فإذا هي من أفضل النساء، ما فيها أدنى عيب، بل العكس فيها محاسن ومزايا، لكن ما قدر لها أن تتزوج في وقت مبكر، هل نقول: إن اعتصار المال الذي غرر به الخاطب وقد وجد فيها من الخلال والخصال أفضل من هذا المال، هل نقول: إن هذا تغرير بالخاطب، وليس له أن يعتصر؟ لا سيما وأن المال في الأصل إذا زاد عن الحاجة ليس بمطلوب شرعاً، ليس من مطالب الشرع أن يكون الخاطب غنياً، ليس من أهداف الزوجية أن يكون أحدهما غني والثاني محتاج أبداً، على كل حال إذا غرر بأحد الطرفين فالإمام مالك يرى أنه لا يجوز أن يعتصر من ابنه.
والحيل هذه موجودة من القديم، ومثل هذا التغرير قد يغرر بشخص فيما يسمى بزواج المسيار، إذا قيل: هذه المرأة عندها بيت، أنت ما أنت متكلف شيء لا إيجار، ولا نفقة، ولا قسم، ثم يتبين أن البيت ليس لها، فيجبر على دفع الأجرة، هذا يرى الإمام مالك في هذه الصورة أنه لا يجوز للأب أن يعتصر.
يذكر عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- يعني عكس ما جاء عن الإمام مالك هنا أن رجلاً فقيراً خطب من أكثر بيوت البلد فيردونه لفقره، فقال: إذا خطبت من أحد فأتِ به، وقل له: يستشير أبا حنيفة، وهل يزوج أو لا يزوج؟ فعل، قال: اذهب إلى أبي حنيفة، أو نذهب أنا وإياك إلى أبي حنيفة واسأله، أبو حنيفة قال له: ضع يدك على شيء من جسدك مما قيمته أو ديته كاملة، ضع يدك على شيء من جسدك ديته كاملة، فوضع يده على أنفه مثلاً أو شيء آخر، المقصود أنه قيل له: ما رأيك يا أبا حنيفة في هذا الرجل وهو فقير؟ قال: ليس بفقير هذا، هذا يملك ما قيمته اثنا عشر ألف درهم، دية كاملة، هذا تغرير وإلا ليس بتغرير؟ يعني هذا ما يمشي بحال عند الإمام مالك، ويذكر عن أبي حنيفة.