مع أنه إذا كان عندك لأحدٍ شيئاً من حيوان أو طعامٍ أو غيره، ثم تلف بيدك ما لم يكن أمانة ولم تفرط فإنك تضمن، أما إذا كان أمانة وديعة عندك ولم تفرط فيها فليس عليك شيء، لكن إذا كان على غير هذه الصفة فإنك تضمن، الحيوان هذا التالف لا يخلو إما أن يكون مثلياً أو متقوماً، فالمثلي يضمن بمثله، والمتقوم يضمن بقيمته، فالطعام المكيل والموزون والذهب والفضة كلها مثلية، أقول: هذا المستهلك بيد غير صاحبه لا يخلو إما أن يكون مثلياً أو متقوماً، فالمثلي هو الذهب والفضة الدراهم والدنانير، والمكيل والموزون؛ لأنه يمكن ضبطه بالكيل والوزن، أما ما عدا ذلك من الحيوان والعروض وغيرها مما لا يمكن أن يؤتي بمثله من كل وجه، بل لا بد أن يحصل الضرر على أحد الطرفين، فإذا ألزم المستهلك بمثله إذا لم يكن مثلياً، فإنه لا بد أن يؤدي أفضل أو أقل، وفي هذا من الضرر على أحد الطرفين ما فيه.
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا فيمن استهلك شيئاً من الحيوان" عنده دابة لزيد من الناس، فتلتف بيده بغير إذن صاحبه، أو بإذنه وفرط فيها، إذا كانت بغير إذن صاحبه يضمن مطلقاً، وإذا كانت بإذنه فإنه لا يضمن ما لم يتعدَ ويفرط، وهو فرط في هذه الأمانة وتعدى فيها فإنه يضمن، يضمن القيمة، تقوّم هذه الدابة هذا الحيوان يقوّم ثم يضمن هذه القيمة يوم استهلكه، في اليوم الذي نفق فيه، ليس عليه أن يؤخذ بمثله من الحيوان؛ لأنه ليس بمثلي، وإنما هو متقوّم، ولا يمكن أن تجد حيوان يشبه الآخر من كل وجه، فأنت إذا اشتريت جمل من السوق بثلاثة آلاف، ثم طلع واحد من أقاربك واشترى من السوق نفسه بالقيمة نفسها بثلاثة آلاف، هل تجزم بأن جملك مثل جمله من كل وجه؟ لا يمكن، كما أنك لو اشتريت عبداً نفس الشيء، ولو كانت القيمة واحدة، لكن هذا متقوّم وليس بمثلي؛ لأنه لا يمكن ضبطه "ولا يكون له أن يعطي صاحبه فيما استهلك شيئاً من الحيوان، ولكن عليه قيمته يوم استهلكه، القيمة أعدل ذلك فيما بينهما" يعني أقرب إلى العدل، القيمة هي التي تتحقق بها العدل، يقومه من أهل النظر من يحسن التقويم ثم بعد ذلك يستحق هذا المبلغ، يقول: "القيمة أعدل ذلك فيما بينهما في الحيوان والعروض".