قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضاً فعمل فيه فجاءه فقال له: هذه حصتك من الربح، وقد أخذت لنفسي مثله، ورأس مالك وافر عندي، قال مالك: لا أحب ذلك حتى يحضر المال كله فيحاسبه حتى يحصل رأس المال، ويعلم أنه وافر، ويصل إليه ثم يقتسمان الربح بينهما، ثم يرد إليه المال إن شاء أو يحبسه، وإنما يجب حضور المال مخافة أن يكون العامل قد نقص فيه، فهو يحب أن لا ينزع منه، وأن يقره في يده.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: المحاسبة في القراض
يعني ضارب العامل في المال مدة، وتوفر لديه الأصل مع الربح، ثم أرادوا المفاصلة، كيفية هذه المفاصلة معروف أنه يعطى صاحب المال رأس ماله، ثم يقسم الربح بينهما على حسب ما اتفقا عليه، لكن لو كان المال غائب، قال: أنا ما بعد استوفيت الأموال من ذمم الناس، أنا بعت وكسبت مكاسب طيبة، المائة صارت مائتين، فأنا بدفع لك الخمسين الربح، وخمسين لي قبل أن نستوفي، ما عندي مانع أنا أتقبل الناس، فهل يجوز ذلك أو يسوغ؟ احتمال أن لا يصل إليه ما في ذمم الناس، احتمال أن يموت أو يفلس من بذمته المال، فيتضرر، وفي مثل هذه الصورة الإمام مالك -رحمه الله- لا يرى مثل هذا.
"قال يحيى: قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضاً، فعمل فيه فربح، فأراد أن يأخذ حصته من الربح وصاحب المال غائب" هذه الصورة الأولى، المضارب المقارض العامل لما رأى المال ربح خمسين بالمائة قال: أنا أخذ خمسة وعشرين أتصرف فيها، وأستفيد منها، وصاحب المال إذا جاء دفعنا له خمسة وعشرين، "وصاحب المال غائب، قال: لا ينبغي له أن يأخذ منه شيئاً إلا بحضرة صاحب المال" لماذا؟ لئلا يتهم أنه أخذ أكثر "إلا بحضرة صاحب المال، وإن أخذ شيئاً فهو له ضامن" تصرف بالخمسة والعشرين يضمنها "حتى يحسب مع المال إذا اقتسماه" يحسب المال بحضرتهما وبحضور المال.
"قال مالك: لا يجوز للمتقارضين أن يتحاسبا ويتفاصلا، والمال غائب عنهما، حتى يحضر المال، فيستوفي صاحب المال رأس ماله، ثم يقتسمان الربح على شرطهما" لما ذكرنا من أنه قد يفلس من بذمته أو من بيده المال، أو يموت ولا شيء وراءه، وحينئذٍ يتضرر العامل.