"اعتدي في بيت أم شريك" أم شريك هذه امرأة صالحة يزورها الصحابة، يزورونها، وكانت كثيرة -على ما يقال- البذل تتصدق وتنفق، وفيها خير وصلاح، يزورها المحتاج، ويزورها تزار في الله من غير خلوة، ومع أمن الفتنة؛ لأنها كبيرة في السن وبدون خلوة، وهذا لا إشكال فيه، وليس في هذا أدنى مستمسك من أن المرأة التي ليس عندها محرم تزار من قبل الواحد من الرجال، أو ما أشبه ذلك، ولا يفرقون بين وقت فتنة ولا غيره، ولا في وقت يكثر فيه مرضى القلوب وفي وقت يقل فيه ذلك، فلا شك أن هذه الظروف لها أثرها في الحكم، يعني إذا أمنت الفتنة وامتنعت الخلوة، والمرأة أيضاً امرأة صالحة، وكبيرة في السن، وكل هذا يجعل أن هذا الأمر يعني أمره ميسور وسهل، وأما إذا كانت امرأة شابة، لو افترضنا أن هذه المرأة شابة، وكان يزورها الناس، والفتنة موجودة، ولا مبرر لزيارتها، ليس امرأة مشهورة بصلاح بحيث يطلب منها دعاء، وما أشبه ذلك، أو تزار في الله، مع أن هذا الباب يجب حسمه، لا سيما في الوقت الذي يطمع فيه مرضى القلوب في مثل هذا، وعلى كل حال الخلوة ممنوعة مطلقاً، سواءً كانت كبيرة السن لا تشتهى أو شابة تشتهى، فالخلوة ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، أما إذا انتفت الخلوة فينظر أيضاً في الظروف والقرائن الأخرى، هل تتعلق بها رغبات الرجال؟ هل يمكن أن يطمع فيها من في قلبه مرض؟ هذا يحسم الباب، ولذا نهي عن الخضوع بالقول، ولو كان من وراء حجاب {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب].
((تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند عبد الله بن أم مكتوم)) عبد الله بن أم مكتوم ((فإنه رجل أعمى)) في بيته وعنده أهله، فلا تتصور خلوة بهذا الرجل الأعمى ((تضعين ثيابك عنده)) يعني لا تحتجبينه مثل حجابك عند المبصرين، وليس معنى هذا أنها تخلع ثيابها بالكلية، لا، وقد جاء النهي عن أن تخلع ثيابها في غير بيتها، إلا أنها إذا سكنت في بيت ولو لم يكن لها صار في حكم بيتها، لاستحالة أن تستمر طول المدة في ثوب واحد.
((تضعين ثيابك عنده، فإذا حللت فآذنيني)) يدل على أن المرأة لا تحتجب عن الأعمى، وهذا الحديث في الصحيحين.