"الجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفر عن أبيه وأمه" يتعرض أبوه وأمه للخطر ويفر منهما، ولا يدافع عنهما، يحترق المنزل وأمه وأبوه بأمس الحاجة إليه فيهرب ويتركهم، وبإمكانه أن يسعفهم أو ينقذهم هذا جبان "فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يئوب به إلى رحله" عما لا يستفيد منه، الجريء يقاتل عما لا يئوب يعني لا يرجع به إلى رحله، لا يستفيد منه ألبتة، وإنما قد يستفيد منه غيره، وقد لا يستفيد منه أحد، والجريء يقاتل عما لا يئوب به إلى رحله، ولا شك أن الجرأة ممدوحة، والشجاعة ممدوحة ما لم تتعدَ الحد المشروع، كما أن جميع الخصال لها طرفا نقيض، والخير في الوسط.
"والقتل حتف من الحتوف" يعني سبب من أسباب الموت، نوع ولون من ألوان الموت:
من لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوعت الأسباب والموت واحد
"والقتل حتف من الحتوف" يعني مما يتداوله الناس، قالوا: فلان قتل، قالوا: ما يعرض نفسه للقتل، قالوا: فلان سقط من شاهق، قال: لا يصعد شاهق، تردى في بئر قال: لا يقرب من بئر، وهكذا إلى آخره، ثم قالوا: فلان مات على فراشه، هذا ماذا يصنع؟ نعم؟ لا مفر ولا محيد {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(49) سورة يونس].
"والشهيد من احتسب نفسه على الله" يعني نذر نفسه لله خدمة لدينه، سواءً كان بسنانه أو بلسانه أو ببدنه أو بماله "مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-"، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يولد على الفطرة، ويولد على ما تقتضيه الفطرة وهو الوسط، يولد متوسط، فإما أن تكون المؤثرات تزيده من جانب الشجاعة أو تزيده من جانب الجبن، نعم.
أحسن الله إليك.
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- غسل وكفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: وتلك السنة فيمن قتل في المعترك فلم يدرك حتى مات.