((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً بعده؟ )) الذي يليه ((رجل معتزل في غنيمته، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد الله لا يشرك به شيئاً)) أما فضل الجهاد فجاءت به النصوص هذا لا شك أنه من أفضل المنازل، أما بالنسبة للعزلة فلا شك أنها في أوقات الفتن التي يخشى أن يتعدى شرها وضررها على الإنسان فالعزلة خير له، وإلا فالخلطة أفضل، الذي يخالط الناس ويصبر على شرهم أفضل بكثير ممن يعتزلهم ولا يصبر عليهم، لكن المسألة في أوقات الفتن التي يخشى أن تتعدى هذه الفتن إلى الشخص، فمثل هذا عليه أن أو الأفضل له أن يعتزل، والناس لا شك أنهم يتفاوتون في هذا المقام، فبعض الناس العزلة له خير مطلقاً، وبعضهم الخلطة خير له مطلقاً، فالذي يستطيع أن يؤثر في الناس ينفع الناس، هذا الخلطة أفضل له، بحيث لا يتأثر بما هم عليه من شرور، والذي لا يستطيع أن يؤثر وهو قابل للتأثر، مثل هذا يقال له: اعتزل، وللخطابي أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البوستي، المعروف صاحب معالم السنن، له كتاب في العزلة، جمع فيه النصوص في الطرفين، ووازن بينها، على كل حال كل إنسان يعرف من نفسه تأثره وأثره في غيره، لو أن إنسان عنده شيء من العلم ينفع الناس هل يقال له: اعتزل؛ لأن الزمن زمن فتنة؟ نعم إذا خشي من بعض ما عنده من علم أن يؤثر في الناس أثراً غير مناسب، كما كان أهل العلم يمنعون من يدرس إذا خشي أن يخلط، إذا خشي عليه التخليط منع، وجعل في بيته لا يخالط الناس، فهذا له حكم، لكن الإنسان الذي نفع الله به، يعلم الناس الخير هل يقال له: اعتزل باعتبار أن خير الناس بعد المجاهد الذي يعتزل في غنيمته؟ اعتزل في غنيمتك، قل: لا، الخلطة والعزلة تختلف من شخص إلى آخر، فبعض الناس مخالطته للناس أفضل، وبعضهم عزلته اعتزاله للناس أفضل، والشراح منذ القرن الثامن والتاسع كأنهم يطبقون على أن العزلة أفضل مطلقاً، ويعلقون لقولهم الاستحالة خلو المحافل عن المآثم، عن المعاصي، عن المنكرات، وواقع الناس اليوم لا شك أن المنكرات موجودة وبكثرة وظاهرة، لكنها في أماكن دون أماكن، فبالإمكان أن يعتزل الإنسان وهو في بلد بلد كبير، يعني كثير من الأحياء ليس فيها كثير من المنكرات، وبعض المحلات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015