"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال بمنىً: ((هذا المنحر .. )) " , يعني الذي نحر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- أشار إليه: " (( ... وكل منىً منحر)) " يعني تصور لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال مثل هذا؛ لا شك أن الناس سيتزاحمون على هذا المكان الذي نحر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم في الموقف: ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف))، و ((وقفت هاهنا وجمع كلها موقف)) لو لم يقل مثل هذا الكلام, والباعث عليه رأفة النبي -عليه الصلاة والسلام- ورحمته بأمته؛ لئلا يزدحمون على مكان ضيق، فيقتتلون فيه؛ لأنه من الناس أهل تحري؛ يتحرون الأماكن التي باشر النبي -عليه الصلاة والسلام- العبادات بها, فكونه يقول: ((هذا المنحر وكل منى منحر)) , هذا من التوسعة على الناس "وقال في العمرة: ((هذا المنحر .. )) يعني المروة" التي ينتهي بها السعي, " ((هذا المنحر .. )) يعني المروة (( .. وكل فجاج مكة وطرقها منحر)) " يعني الطرق الواسعة التي هي الفجاج, وأيضاً الطرق الضيقة كلها محل للنحر, فالفجاج: جمع فج, وهو الطريق والواسع, والطريق المعطوف عليه يشمل الواسع والضيق, وهو من باب عطف العام على الخاص؛ لكن مثل الظروف التي نعيشها مع منع الذبح في الطرقات؛ لا شك أن الدم المسفوح نجس, وقد جاء النهي عن البول في الطريق؛ في طريق الناس؛ فهل يلحق به النجس من الدم المسفوح؟ أو نقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كل فجاج مكة وطرقها منحر))، فيجوز ذلك, فلا يقاس على البول؟ هل نقول أن مثل هذا الدم النجس ينبغي أن يكون سبيله سبيل البول في محل قضاء الحاجة؟ أو نقول: أنه الأمر فيه أوسع, والنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل فجاج مكة وطرقها منحر)) , لا شك أنما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- الاحتكام إليه, ما دام قاله؛ فلا إشكال في جوازه؛ لكن لو منع من باب النظر في مصالح الناس لكثرتهم, واحتياجهم إلى هذه الطرقات، وتلويث الجو-على ما يقولون- نظراً للمصلحة, مع اعتقاد أن مثل هذا فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه قال به, من غير معاندة، ولا معارضة, لكن رؤية أن المصلحة بخلافة؛ المسألة مسألة مصالح