"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أم سلمة أم المؤمنين شكت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مرضاً ألم بها، لا تستطيع معه الطواف بدون ركوب "فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بـ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(1 - 2) سورة الطور].
هذا سائل يقول: هل هناك من مال إلى أن الوداع في العمرة بدعة؟ وما مدى صحة هذا القول إذا قال به بعض طلاب العلم؟
قل: إذا كان الدليل محتملاً فلا تبديع ولا ابتداع، إذا كان الدليل محتملاً يحتمل هذا القول فلا تبديع، إنما الابتداع اختراع قول أو فعل لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، وإذا كان الدليل يحتمل القولين فلا بدعة، من رأى العموم فلا ينصرف حتى يكون آخر عهده بالبيت يرى أن كل من قدم مكة لنسك يشمله هذا، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يقل ذلك إلا في حجته لا يمنع أن يكون تشرع جديد بالنسبة لكل من أراد الانصراف عن البيت مما جاء بالنسك سواءً كان حجاً أو عمرة، هذا احتمال وله وجهه، لكن يبقى أنه مرجوح، الراجح أنه خاص بالحج، وأما التبديع فلا، فلا وجه له.
منهم من يرى في مثل هذا الاستحباب خروجاً من الخلاف، وليس الخروج من الخلاف من الأدلة التي يعتمد عليها، والأصول التي يستند إليها عند أهل العلم، وإنما الأصل في مثل هذا قوة دليل المخالف، فخشية من أن يكون قول المخالف راجحاً أو يكون دليله أقوى من دليل الموافق يقال: خروجاً من الخلاف، وهذه جملة يستعملها أهل العلم كثيراً.