"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "من أفاض فقد قضى الله حجه" لأنه أتى ببقية الأركان، ومعلوم أن طواف الإفاضة وبعده السعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، فهذه تتمة الأركان، "فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر الطواف عهده بالبيت، وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى الله حجه" حبسه شيء أي ما سافر حينئذٍٍ لا يلزمه طواف؛ لأن الطواف للمسافر طواف الوداع، وعلى هذا إذا أخر طواف الإفاضة حتى قبل أن يخرج إلى أهله طاف للإفاضة ونوى بذلك طواف الإفاضة دخل فيه طواف الوداع، يدخل فيه طواف الوداع، هذا إن لم يكن بعده سعي، أما إن كان بعده سعي فإنه حينئذٍ يطوف للإفاضة ثم يسعى ثم بعد ذلك يطوف للوداع، هذا هو الأكمل، لكن إن رأى في ذلك ما يشق عليه كما هو الحال في الأزمان الأخيرة فيرجى أن يكون الفاصل يسير، ويعفى عن ذلك -إن شاء الله تعالى-، لكن ماذا عما لو قدم السعي على الطواف؟ قدم السعي عليه طواف الإفاضة والسعي الذي بعده جاء فقدم السعي وقال في حديث أسامة بن شريك: سعيت قبل أن أطوف، قال: ((افعل ولا حرج)) وأريد أن لا أطوف مرتين، لا شك أن الطواف في اليوم الثاني عشر والثالث عشر فيه مشقة شديدة، فلو قدم السعي ثم طاف بعده كفاه عن طواف الوداع، مع أني المتجه عندي أن يطوف ثم يسعى، إن تيسر له أن يطوف للوداع وإلا يرجى أن يكفيه ذلك أسهل من تقديم السعي على الطواف؛ لأن جمع من أهل العلم يرون أن السعي لا يصح إلا بعد طواف ولو مسنوناً.

"قال مالك: ولو أن رجلاً جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت حتى صدر لم أرَ عليه شيئاً" يعني ما عليه شيء، ما دام جاهل فهو معذور بجهله ولا شيء عليه، والأكثر يلزمونه بدم، وجهله ونسيانه يعفيه من الذنب، أما الدم فلا بد منه؛ لأن من ترك نسكاً فليرق دماً عند جمهور العلماء "لم أرَ عليه شيئاً إلا أن يكون قريباً فيرجع فيطوف بالبيت ثم ينصرف إذا كان قد أفاض".

نعم.

باب: جامع الطواف:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015