وحكم من كانت هذه حاله عند مالك وأصحابه أن يكون بالخيار إذا خاف فوت الوقوف بعرفة لمرضه إن شاء مضى إذا أفاق إلى البيت فطاف وتحلل بعمرة، وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل، نعم أمس أوردنا أنه لا يبقى على إحرامه وإنما يتحلل بعمرة، لماذا؟ لأنه أحرم بحج قبل أشهره، وهنا يقول: إن شاء تحلل بعمرة وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل، وإن أقام على إحرامه ولم يواقع شيئاً مما نهي عنه الحاج فلا هدي عليه.
ومن حجته في ذلك الإجماع من الصحابة على أن من أخطأ في العدد أن هذا حكمه لا يحله إلا الطواف بالبيت، وقال في المكي إذا بقي محصوراً حتى فرغ الناس من حجهم: فإنه يخرج إلى الحل فيلبي ويفعل ما يفعله المعتمر ويحل، فإذا كان قابل حج وأهدى، وقال ابن شهاب الزهري في إحصار من أحصر بمكة من أهلها: لا بد له من أن يقف بعرفة وإن نعش نعشاً، يعني ولو حمل على نعش مثل الميت، واختار هذا القول أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير المالكي فقال: قول مالك في المحصر المكي أن عليه ما على الآفاق من إعادة الحج والهدى خلاف ظاهر الكتاب؛ لأن الكتاب فرق بين حاضري المسجد الحرام وبين غيرهم؛ لقول الله -عز وجل-: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة].
قال: والقول عندي في هذا قول الزهري في أن الإباحة من الله -عز وجل- لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أن يقيم لبعد المسافة يتعالج وإن فاته الحج، فأما من كان بينه وبين المسجد الحرام ما لا تقصر في مثله الصلاة فإنه يحضر المشاهد، وإن نعش نعشاً لقرب المسافة بالبيت، وقال أبو حنيفة وأصحابه: كل من منع من الوصول إلى البيت بعدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو إضلال راحلة أو لدغ هامّة بالتشديد وإلا بالتخفيف؟
طالب: بالتشديد.
الهوام هي التي تلدغ، أما الهامة التي هي البوم لا ما تلدغ.