تقول: "فلما قدمنا تطوفنا بالبيت" يعني أخبرهم الأنساك الثلاثة على التخيير في المحرم، لما قدموا مكة وطافوا بالبيت أمر يعني أكد على التمتع نعم، كأنه صار في بعض في نفوس بعضهم شيء من العمرة في هذا الوقت؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يرونها من أفجر الفجور، فأراد -عليه الصلاة والسلام- أن يجتث هذا الإشكال من قلوبهم، فأمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، وأخبرهم بجواز الأنساك الثلاثة في المحرم، ومنهم من أهل، وخرجوا من المدينة لا يعرفون إلا الحج، كما تقول عائشة، لما وصلوا المحرم خيرهم بين الأنساك الثلاثة، لما طافوا بالبيت أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، والسبب في هذا ما سمعتم؛ لأن الإشكال ما زال، يعني بعضهم أحرم بعمرة وفي نفسه شيء كما كان في أنفسهم من السعي بين الصفا والمروة، نعم كان في أنفسهم شيء من السعي بين الصفا والمروة لأنهم كانوا يسعون بينهما بين صنمين لإساف ونائلة، نعم فبقي في أنفسهم شيء، وهم يرون النبي -عليه الصلاة والسلام- يسعى بينهما، وبعض الشبه يصعب اجتثاثها، ومثل هذا المكان الذي يطاف فيه بين صنمين لا شك أنه يشق على النفس أن تؤدى عبادة نعم يتقرب بها إلى الله -جل وعلا- وكان هذا المكان مما يتقرب فيه لغيره -جل وعلا-، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجتث هذه الشبهة من أعماق قلوبهم فأمرهم أمر وألزمهم إلزام بأن يجعلوها عمرة، ولوحظ مثل هذا، لوحظ مثل هذا الظرف الذي جاء الأمر فيه فقال جمع من أهل العلم أو عامة أهل العلم على أن التمتع ليس بواجب، لولا وجود مثل هذا الذي احتف بهذا الأمر لكان وجوبه متجهاً فقد قيل به، قال بعض العلماء بوجوب التمتع لهذا الأمر، لكن إذا عرفنا السبب الذي من أجله أمر بالتمتع قلنا: إنه بالنسبة لهم واجب لتزول هذه الشبهة لمن لم يسق الهدي، أما بالنسبة لغيرهم فالأدلة الصحيحة الصريحة دلت على جواز الأنساك الثلاثة.