هو يتحمل المشاق، الآن شواهد الأحوال، نعم، من استروح إلى شيء ومال إليه، وأشرب ذلك الشيء قلبه، لا شك أنه يرجحه على غيره، وإن كان غيره في الأصل أرجح منه.
أضرب مثال مثلاً النووي -رحمه الله تعالى- صاحب عبادة وزهد ونسك، بينما ابن حجر صاحب علم، هل تجد النووي يترجم للثقات من الرواة مثل ما يترجم به ابن حجر؟ لا سيما إذا كان هذا الثقة الضابط العدل ليس معروفاً بمزيد عبادة، لكن لو كان معروف بعبادة مثلاً، وإن كانت الثقة أقل تجد النووي يشيد به، وكتبه مملوءة بهذا، نعم، لا شك أن الناس لهم ميل إلى جهة أو باب من أبواب الدين، نعم، تجدهم هذا الباب ديدنهم، ومن يهتم ويعنى بهذا الباب هو المقدم عندهم، لو ترجم مثلاً النووي ليزيد الرقاشي مثلاً، هل تكون ترجمة النووي لهذا الرجل مثل ترجمة ابن حجر؟ ابن حجر يهمه ثبوت الخبر، بغض النظر عن كونه عابد أو ليس بعابد، عدل ثقة يكفي ابن حجر، لكن النووي تهمه العبادة، ولذلك إذا ترجم لشخص معروف بكثرة تلاوة القرآن والعناية به أشاد به، إذا وجد عابد أشاد به، إذا وجد زاهد أشاد به، بينما منحى ابن حجر، وقل مثله في الذهبي وغيره الذين يهمهم ثبوت الخبر يختلفون عن هذا.
ونظّر مثل هذا بابن عباس وابن عمر، نعم أو بعبد الله بن عمرو مثلاً، هؤلاء يهمهم العمل، تهمهم العبادة، ولكلٍ نصيبه من العبادة، يعني ما يقال مثلاً: إن ابن حجر ليس بعابد، لا، لكن ما هو مثل النووي، ولا يقال: إن ابن عباس ما تهمه العبادة وليس ... إلا عابد، لكن ما هو بمثل ابن عمر، ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلاً، ومعروف الموازنة بين العلم والعبادة، نعم، ((فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)) ولا يقال مثلاً: إن ابن عباس ليس بعابد، ولا يقال: إن ابن عمر ليس بعالم إنما عنده من العلم، لكن عرف بهذا، وذاك عنده من العبادة لكنه عرف بهذا الشيء.