هذه الليلة جاءت في النصوص الكثيرة التي قد يقول قائل: إنها بالنسبة للتحديد فيها اضطراب كبير، نصوص صحيحة لكنها ليست صريحة التحديد، فجاء نص صحيح يدل على أنها ليلة إحدى وعشرين، وجاءت نصوص تدل على أنها في العشر، وجاء ما يدل على أنها في الأوتار، وجاء ما يدل على أنها في السبع الأواخر، ولذا يختلف أهل العلم في تحديدها على ما يقرب من خمسين قولاً، وأرجح هذه الأقوال أنها تنتقل في العشر الأواخر، وإن كانت الأوتار آكد، لكن الأشفاع لها نصيبها من النصوص الصحيحة ((التمسوها في سابعة تبقى)) سابعة تبقى هذه على اعتبار أن الشهر ناقص هي ليلة ثلاث وعشرين، وعلى اعتبار أن الشهر كامل هي ليلة أربعة وعشرين، ولذا يختار بعض أهل البلدان ليلة بعينها، فأهل البصرة عندهم ليلة القدر ليلة أربعة وعشرين، هذا معروف أنس بن مالك والحسن البصري وجمع من عباد البصرة وعلمائها، وعند أهل مكة ليلة، وعند غيرهم ليلة، وعند أهل المدينة ليلة ثلاثة وعشرين، المقصود أنها على ضوء ما يفهم من مجموع ما ورد في الباب أنها تنتقل، وتحديدها بدقة في ليلة معينة ليس هدفاً شرعياً، وإنما الهدف إخفاؤها ليكثر الناس من التعبد، والقرب من الله -جل وعلا-، إذ لو حددت بليلة معينة كما أن ساعة الجمعة جاءت كذلك، لو حددت بساعة دعا الناس في هذه الساعة، ولو حددت هذه لقام الناس في هذه الليلة ولم يقوموا غيرها؛ لأن كثير من الناس مجبول على الكسل، ولذا تجدون الفرق واضح في المساجد بين ليالي الأوتار، وليالي الأشفاع، مع أنها تسع ليال ما هن شيء، ما فائت من أمر الدين ولا الدنيا شيء، إذا اعتني بهذه الليلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، فلا أقل من أن يجتهد الإنسان في هذه العشر، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخلط العشرين الأولى من رمضان بقيام ونوم، لكنه في العشر الأواخر لا ينام، يحيي ليله.