الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الصيام في السفر:
يعني في حكمه، ودلت أحاديث الباب على جواز الصيام في السفر، وجاءت أحاديث أخرى تدل على كراهته والأمر بالفطر، وجاء ما هو أشد من ذلك من وصف من تابع الصيام بالعصيان، حيث قال -عليه الصلاة والسلام- في حق بعضهم: ((أولئك العصاة)).
فصام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصام أصحابه معه، وثبت عنه أنه أفطر في السفر، صام وأفطر، وكان الصحابة يسافرون معه -عليه الصلاة والسلام- فمنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا، وبهذا أخذ جمهور أهل العلم على أن الصوم في السفر صحيح ومجزئ ومسقط للطلب، وأنه إذا كان لا يشق على المسافر فهو أفضل من الفطر؛ لأنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ويشمله قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة] أما من شق عليه الصيام فالفطر في حقه أفضل، وإن زادت المشقة عصى بصيامه، فالمسألة تتبع المشقة.
من أهل العلم من يرى أن الصيام في السفر لا يصح، وليس من البر، والصائم في السفر ((أولئك العصاة)) يعني نظروا إلى بعض النصوص دون بعض {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] هذا يقول بعض أهل الظاهر أن الصيام في السفر لا يجزئ؛ لأن الواجب عليه عدة، صام أو لم يصم، عليه القضاء، فدل على أنه لا يجزئ الصيام في السفر، وعامة أهل العلم يقدرون: من كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فالواجب عدة، يقدرون (فأفطر) لكي تلتئم النصوص وتجتمع.
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثني يحيى عن مالك عن الإمام الجليل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء المشهورين عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا من مراسيل الصحابة؛ لأن ابن عباس لم يشهد القصة؛ لأنه كان مقيماً مع أبويه في مكة، ولم يكن معهم حال السفر، ومراسيل الصحابة معروفة أنها على حكم الاتصال، ونقل عليه الاتفاق، وإن خالف من خالف كأبي إسحاق الإسفرائيني.