والخطاب محتمل لأن يكون لأرباب المواشي، كما أنه محتمل أيضاً أن يكون متجهاً إلى الساعي، وحينئذٍ يكون التقدير لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق إذا قلنا: المراد أصحاب المواشي، خشية أن تزيد الصدقة، وإذا قلنا: الخطاب متجه إلى الساعي قلنا: لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية أن تنقص الصدقة، فتترك الأمور على ما هي عليه، وعلى هذا يكون الخطاب متجه إلى الاثنين، فإذا كانت الخشية من زيادة الصدقة فالمخاطب أصحاب المال، وإذا كانت الخشية من نقص الصدقة فالمخاطب بذلك الساعي الذي هو نائب عن الفقراء.
"قال مالك: وتفسير قوله: ((لا يجمع بين مفترق)) أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة قد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة" كل واحد عليه شاة، يجب فيها ثلاث "فإذا أظلهم المصدق –الساعي- جمعوها؛ لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة" المائة والعشرين فيها واحدة، من أربعين إلى مائة وعشرين فيها واحدة "لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة فنهو عن ذلك" لأن هذه حيلة، والحيلة التي يتوصل بها إلى إسقاط واجب، أو ارتكاب محرم حرام، إلى إسقاط واجب أو ارتكاب محرم فهي محرمة، وهي التي نهي عنها ((لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) هذه الحيل التي يستباح بها المحظور، ويترك بها الواجب، لكن إذا كانت الحيلة يدرك بها الواجب، أو يترك بها المحظور صارت مطلوبة {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فالهجرة واجبة، فالتحايل على الواجب مطلوب، والتحايل على ترك المحرم مطلوب.