((قال رجل قط لم يعمل حسنة واحدة لأهله: إذا مت فحرقوه)) الأصل أن يقال هو المتحدث الآن، لكن الراوي والناقل يكره أن ينسب هذا الكلام له، وهذا من باب الأدب في الحديث، إذا كان الكلام مما لا ينبغي ذكره لا ينسبه الإنسان لنفسه، كما في حديث وفاة أبي طالب "فكان أخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب" الأصل أن ينسب ذلك إلى نفسه، ومثل هذا لا يترتب على التصريح به فائدة، وإلا لو توقفت الفائدة عليه لا بد من التصريح، يعني في قصة ماعز الرواة كلهم يقولون: قال ماعز: يا رسول الله إني زنيت، ما قالوا: إنه زنا؛ لأنه لا بد من الإقرار الصريح ونسبت الأمر لنفسه؛ ليثبت عليه الحد، هذا من أدب الخطاب ((إذا مات فحرقوه، ثم أذروا نصفه في البر ونصفه في البحر)) يعني يحرق ويسحق ويذر نصفه في البر ونصفه في البحر؛ ليكون حسب تصوره أبعد في أمكان جمعه، يعني لو جمع جميع حرق وذر في مكان واحد يعني أقرب إلى أن يقال له: يجمع فيجتمع، لكن إذا كان نصفه في البحر ونصفه في البر على حسب تصور هذا الرجل ((فو الله لئن قدر الله عليه)) المتبادر من اللفظ أنه من القدرة، وفي هذا شك من هذا بالقدر الإلهية، كأنه شك في قدرة الله على جمعه، وقد أختلف العلماء في معنى قوله: ((لئن قدر الله عليه)) فقال بعضهم: هذا رجل جهل بقدرة الله تعالى وعذر بجهله، والحديث في الصحيحين عذر بجهله، وقال بعضهم: قدر بمعنى قدّر من القدر، المراد فيه القضاء، لا من القدرة والاستطاعة، يعني لئن كان الله قدر علي أن يعذبني ليُعذبني عذاباً لا يعذب به أحد من العالمين من القدر، وقال بعضهم: لئن قدر الله علي من القَدْر وهو التضيق والتعسير، {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [(7) سورة الطلاق] يعني ضيق عليه، إن ضيق الله علي ليعذبني، {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} [(87) سورة الأنبياء] المقصود أن مثل هذه اللفظة اختلف فيها، على ما سمعنا قَدِر من القدرة، قدر مخفف من قدّر، وقَدَر أي ضيق، والسياق يدل على الأول ((فلما مات الرجل فعلوا من أمرهم به، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لما فعلت هذا)) وفي هذا دليل أنه ينبغي أن يُسأل الجاني لما فعلت، فقد يبدي عذراً