"بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما" واضح "حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، وهو مقدم الرأس، ثم غسل رجليه" هكذا وصف عبد الله بن زيد وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه غسل اليدين قبل الوضوء، ثم المضمضة والاستنشاق، ثم غسل الوجه، ثم غسل اليدين إلى المرفقين، ثم بعد ذلك مسح الرأس، ثم بعد ذلك غسل الرجلين، هذا صفة الوضوء إجمالاً.
وذكرنا في أول الكلام أن النبي توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ ملفقاً كما هنا، بمعنى أنه غسل بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثاً، والمسح بالرأس مرة واحدة؛ لأنه لم يذكر معه عدد، وسيأتي بيان ذلك كله -إن شان الله تعالى-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر)) ".
إذا توضأ أحدكم: توضأ فعل ماضي، ومقتضى الفعل الماضي أن يكون بعد الفراغ؛ لأنه أمر مضى، يعني كأنه قال: إذا توضأ وانتهى من الوضوء فليجعل في أنفه ماء، لكن هل هذا الظاهر مراد؟ ليس مراداً؛ لأن الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء كما هو الأصل، ويطلق ويراد به إرادة الشيء، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء، يعني إذا قال شخص: إذا جاء زيد أكرمتك، هل يكفي في ذلك إرادة زيد المجيء؟ نعم لا يكفي، هل يكفي في ذلك شروع زيد في المجيء؟ إذا ركب الدابة من بلده، والمسافة تحتاج إلى أيام، نقول: خلاص جاء زيد، يعني شرع في المجيء؟ أو إذا فرغ وحصل المجيء كاملاً؟ هذا الأصل، لكن ماذا عن مثل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] المراد بذلك إذا أردت، فإذا قرأت القرآن إذا أردت القراءة، خلافاً لأهل الظاهر، حملوه على أصله، وقالوا: الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة.