هؤلاء الذين اشتغلوا بآراء الرجال وصار معولهم عليها، وتركوا النصوص هذه أجوبتهم، إذا قيل مثلاً لشخص من متعصبة المذاهب: الحكم كذا بدليل قول الله -جل وعلا- كذا، بدليل قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- كذا، قال: لكنه خبر فيما تعم به البلوى، ولم يثبت نقله بطريق ملزم، يعني ما نقله إلا آحاد من الناس، أو قال: زيادة على النص، أو قال: كذا وكذا، هل تُدفع النصوص الصحيحة الصريحة بمثل هذا الكلام؟ بآراء الرجال؟ لا يمكن، وهذه عادة المفاليس إذا أورد عليهم شيء فتوى مبنية على الدليل قال: هذا ما يعرف كيف يتعامل مع النصوص، لكن ما الفائدة من معرفة كيفية التعامل بدون نصوص، افترض أن شخص ديدنه وعمدته على أصول الفقه عمره كله، لكن ما حفظ نصوص ويش يستفيد؟ يستفيد شيء؟ ما يستفيد شيء، يعني لو صار مثلاً أمهر الناس في إصلاح الساعات أو السيارات مثلاً، وما فتح محل، ولا عرفه الناس، وكل من قال له: فلان صلح السيارة كذا قال: ما يفهم، وبعدين أنت اللي تفهم؟ وبعدين ويش صار؟ ويش سويت؟ فلا بد أن يكون مع معرفته في كيفية التعامل مع النصوص أن يكون عنده نصوص يتعامل بها، ولو كان من أعرف الناس وأبرع الناس في أمور التجارة أو أمور الزراعة أو أمور الصناعة، لكن ما عنده مزرعة ولا عنده مصنع، ولا عنده محل، ويش الفائدة؟ فمثل هذه الأمور التي هي وسائل لفهم النصوص إنما تنفع مع وجود النصوص، نفعها مع وجود النصوص، أما يأتي شخص ما عنده شيء من النصوص، ما عنده شيء، يخرج الحديث في رسالته من مصادر لا تمت للحديث بصلة، ثم يقول لك: إن فلان ما يعرف شيء، حفظ حديثين أو ثلاثة وصار .. ، ومثل هذا في الغالب الذي يقع في أهل الحديث مثل هذا يعاقب -نسأل الله السلامة والعافية- إن سلم من الفتنة في آخر عمره، مثل هذا يعاقب بنسيان ما تعلم، أو بمصيبة، وشواهد الأحوال كثيرة من أول الزمان إلى يومنا هذا، كم إنسان تصدى للأخيار فعوقب، وما يدخر له عند الله -جل وعلا- الله أعلم به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015