ثم تكلم النَّاظمُ رَحِمَهُ الله عن مَبْحَثٍ مُنَاسِبٍ بَعد العِلَل، وهو الحديثِ الْمُدْرَج فَقَالَ:
26 - والُمدْرَجَاتُ فِي الحديثِ مَا أَتَتْ ... مِنْ بَعْض أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ
قوله: والُمدْرَجَاتُ جمع مُدْرَج وَهُوَ لُغَة الإدخال، وفي الاصطلاح: فِي الحديثِ مَا أَتَتْ مِنْ بَعْض أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ أي الأحاديث التي تأتِي مع بعض ألفاظ الرُّوَاة، ومعنَى اتَّصَلَتْ أَي: أنَّ الأَلْفَاظ تَاتِي مُتَّصِلةٌ بأصل مَتْنِ الْحَدِيث، وتَاتِي فِي آخر الحَدِيث وَهُوَ الْغَالِب، وقد تكون فِي الوسط أحيانًا أخرى، وتكون فِي أَوَّلِه أحيانًا، فيَقع اللّبْس بذلك فيتوهم من لم يعرف الْحَقِيقَة أَنَّ جَمِيع الكلام مَرْفُوع لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعِنْدَ التَّحقيقِ نَجْد أَنَّ النَّاظم رحمه الله لَمْ يَذْكرْ الإدراج في الإسناد فكأنَّهُ خَصَّ باب الإدراج في الْمُتونِ فقط، وهَذَا غَيرُ صَحِيحٍ. والتَّعريف الصَّحِيح للمدرج هو: ما زيد فِي أصل الْحَدِيثِ سواء كان فِي إسنادِهِ أو مَتْنِهِ مِمَّا ليس منه. فيكون الحديث الْمُدْرَج على قسمين: الأول: ما أدرج فِي الإسناد، والثاني: ما أدرج فِي الْمَتْنِ.
القِسْمُ الأَوَّلُ:
وهو الإدْرَاجُ فِي الإسْنَادِ، وصفته: أن يأتي الراوي فَيَدْرِجُ في إسناده مَتْنًا غَيْر الْمَتن الذي هو له. ومثاله: مَا ذكره ابنُ القيسراني في بيان علة حديث: «مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسَنُ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ»، فقال: " وَذَلِكَ أَن شريك كَانَ مزاحًا، وَكَانَ ثَابت رجلا صَالحا، فيشتبه أَن يكون ثَابت دخل على شريك، وَكَانَ شريك يَقُول: " حَدثنَا الأَعْمَش، عَن أَبِى سُفْيَان، عَن جَابر، عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَالْتَفت، فَرَأى ثَابتا، فَقَالَ يُمَازِحُه: مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسَنُ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ.