أرى أحدًا يقوم بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم، فانطلق حتى أتى الملك. فلمَّا نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك: أهذا يناطقني، وهو لا يطيق صدر راحلته؟ فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته: "آذنتنا ببينها أسماء"، وهو من وراء سبعة ستور، وهند تسمع. فلمّا سمعت قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط رجلًا يقول مثل هذا القول، يكلم من وراء سبعة ستور! فقال الملك: ارفعوا سترًا، ودنا، فما زالت تقول، ويرفع ستر فستر، حتى صار مع الملك على مجلسه. ثم أطعمه من جفنته، وأمر ألا ينضح أثره بالماء، وجز نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر، ودفعها إلى الحارث، وأمره ألا ينشد قصيدته إلا متوضئًا، فلم تزل تلك النواحي في بني يشكر بعد الحارث1.
وقام عمرو بن كلثوم، فأنشد جزءًا من معلقته2 مفتخرًا على خصومه، غير منتبه لمركز الملك، وما يلزم لمداراته واستمالته، فحكم عمرو بن هند على التغلبيين، فانصرف عمرو ورهطه غاضبين. ولعله قال، بعد هذه الحادثة، ما ذكر في ديوانه من هجاء له؛ ثم أكمل معلقته بعد ذلك، وخاصة بعد قتله للملك، كما سنفصل، ثم قام بها خطيبًا بسوق عكاظ وقام بها في موسم مكة3.