فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمرو بن كلثوم حتى جلس إلى الملك. وقال الحارث بن حلزة لقومه: إني قد قلت خطبة فمن قام بها ظفر بحجته، وفلج على خصمه فرواها ناسا منهم، فلما قاموا بين يديه لم يرضهم، فحين علم أنه لا يقوم بها أحد مقامه. قال لهم: والله إني لأكره أن آتي الملك، فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه، وذلك لبرص كان به، غير أني لا أرى أحدا يقوم بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم.
فانطلق حتى أتى الملك، فلما نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك، أهذا يناطقني، وهو لا يطيق صدر راحلته؟ فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته "آذنتنا ببينها أسماء" وهو من وراء سبعة ستور، وهند تسمع، فلما سمعتها قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط رجلا يقول مثل هذا القول يكلم من وراء سبعة ستور.
فقال الملك: ارفعوا سترا ودنا فما زالت تقول ويرفع ستر، فستر حتى صار مع الملك على مجلسه، ثم أطعمه من جفنته، وأمر ألا ينضح أثره بالماء، وجز نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر، ودفعها إلى الحارث، وأمر ألا ينشد قصيدته إلا متوضئا.
فلم تزل تلك النواصي في بني يشكر بن الحارث، وهو من ثعلبة بن غنم من بني مالك بن ثعلبة.
وأنشد عمرو بن كلثوم قصيدته] .
[وقال عمرو بن كلثوم يذكر أيام بني تغلب ويفتخر بهم] .
يمكن أن يلاحظ المرء في هذه القصة ما يلي: 1- تعاطف عمرو بن هند مع بني بكر منذ البداية حينما وصف حارث بن حلزة.
2- إن قصيدة الحارث رقيقة لطيفة ولكنها لا تكفل بدفع الحق عن بني بكر فهم الذين دفعوا رجال تغلب إلى الموت لعدم تركهم يشربون.