/متن المنظومة/
وبعدَما أدركتَ حكمةَ الخِلافْ ... خذْ واضحاً أسبابَ ذاكَ الاختلافْ
فاختلفوا في واقعِ الجِبِّلَةْ ... إذ لم تقيدِ العقولَ الملّةْ
واختلفُوا في لغةِ القرآنِ ... كالقرءِ والنَّكاحِ في البَيَانِ
واختلفُوا في عَصْرِهم ومِصْرهم ... وحالِهم وبالِهم وعُرْفهِم
-106 و 107- شرع الناظم يعدد أسباب الاختلاف بين الفقهاء فذكر منها:
أولاً: الاختلاف في أصل الجبلة، وذلك أن الناس - والعلماء منهم - لم يخلقوا على طبيعة واحدة، فتجد فيهم الحازم واللين، والشديد والهين وهذا تفاوت قضى به أمر الله ولا مبدل لكلمات الله.
ولم تأت الملّة السمحاء بقيد على العقول، بل كان كلٌّ يختار ما يناسب فطرته مما أذن به الله سبحانه.
-108- ثانياً: اختلفوا في المعنى اللغويِّ للكلمة، فربَّ كلمة في العربية تردُ على أكثر من معنى فكان كلُّ فقيه يختار واحداً من هذه الوجوه، ودلَّلَ الناظم على ذلك بمثالين: القرء فهو يستعمل في العربية بمعنى الطهر بين الحيضتين - وهو اختيار الشافعية، ويستعمل أيضاً بمعنى الحيض - وهو اختيار الحنفية -، وكذلك لفظ النكاح فإنه يأتي بمعنى العقد، ويأتي بمعنى الدخول الحقيقي.
-109- وذكر من أسباب الاختلاف، اختلاف الزمان والمكان والبيئات والأعراف، فلكلِ زمانٍ أحكامه وظروفه، والشريعة السمحاء فيها سعة وتنوع يسع كل عصر ومكان وبيئةٍ وعرف، ولكن الخطأ إمضاء حكم ما مخصوص على سائر الأعصر.