ما طلبَ الشارعُ فعلَه بلا ... جزمِ فمندوباً تراه جُعلا
وقيلُ ما يحمَدُ فاعلٌ لَهُ ... ولا يُذَمُّ تارِكٌ أهمَلَهُ
ويستحقُّ الفاعِلُ الثَّوابَا ... وليسَ يلقَى التَّارِكُ العِقَابَا
ويَظْهَرْ المَنْدوبُ بالصَّريحِ ... كقولِهِ سَنَنْتُ في التَّرويحِ
كذاكَ في الطَّلَبِ غَيْر الجازم ... كآية الديون للتراحم
وحيثُ لا ترتيبَ للعِقَابِ ... في الحكمِ كالرُّخْصَةِ في الصَّوابِ
وكل ما طلبَهُ تحبيباً ... مبيِّنا لفَضْلِهِ تَرغيباً
واعتبِرَ المنْدوبُ مأموراً بِهِ ... لِلشَّافِعي وأحمدٍ وصَحْبِهِ
وذاكَ حيثُ طاعةً يَدعُونَهْ ... وأَنَّهُ في الدِّين يِطْلُبونَهْ
ودلَّلُوا بقسمةِ الأمرِ إلى ... نَدْبٍ وإيجابٍ بذا الأَمْرُ جَلا
واختلف الأحناف في ذي المسئلة ... وجعلوا الأمر مجازاً فادعُ له
لوكان مأمورا به لكانا ... تاركه معاقباً مهاناً
وعللوا بسنة السواك ... وكونه في (افعل) حقيق زاكي
والندب أنواع ثلاث توجدُ ... مؤكد.. وغيره.. وزائدُ
أولها فاعله يثابُ ... ولا ينال التاركَ العقابُ
لكنه معاتبٌ ملومُ ... كسنة الفجر.. وذا مفهومُ
والثانِ في إتيانه ثوابُ ... وليس في هجرانه عتابُ
وكلُّ ما قد كان فعل المصطفى ... ولم يشرَّعْ فهو برٌّ ووفا
يثابُ إن نوى به المتابعة ... كالنوم والمشي على المسارعة
ولم يكُ المندوبُ تكليفاً وما ... حكاه الاسفراني ليس ملزما
واختلفوا هَلْ يَلْزم الإتمامُ ... بعدَ الشُّروعِ فيه.. فالإِمامُ
الشَّافعيُّ قالَ لا ولا قَضَا ... لا إثْمَ في تركِ الذي نَدْباً مَضَى
وقالَ إنَّهُ أداءُ نافِلَهْ ... وليسَ إسقاطاً لواجبٍ فَمَهْ
وقالَ إنَّ الصَّوْمَ كالإِنفاقِ ... أَعِدْ إذا شَرَعْتَ بالإنفاقِ
كذاكَ نصُّهم أميرُ نفسِهِ ... إنْ شاءَ صامَ أو يَشَأْ فلينتَهِ
وحُجَّةُ الأحنافِ قولُ ربِّنا ... لا تبطِلُوا أعمالَكُمْ في شَرْعِنا
وإنَّما المندوبُ حَقُّ ربِّنا ... فلنلتَزِمْ قضاءَهُ إنْ فاتَنا
واَنَّهمْ قاسُوهُ بالمَنْدُورِ ... وذاكَ وهْنٌ واضِحُ الظُّهورِ
وظاهرٌ للأولينَ الغَلَبَةْ ... ونَصُّهم في البابِ أقْوى مَغْلَبَةْ
والنَّدبُ خادمٌ لما قَدْ وَجَبَا ... والندبُ بالكُلِّ وُجوباً صَحِبَا