مقدمة المصابيح

أمّا بعد، فهذه ألفاظٌ صدرَتْ عن صدر النُّبوة، وسُنن سارت عن مَعدِن الرسالة، وأحاديثُ جاءت عن سيدِ المرسلين وخاتَم النَّبيين، هُن مصابيحُ الدُّجى، خرجَتْ عن مِشْكاةِ التقوى التَّقيِّ، ممّا أوردها الأئمةُ في كتبهم، جمعتُها للمنقطعين إلى العبادة؛ لتكونَ لهم بعد كتاب الله حظًّا من السنن، وعَوناً على ما هم فيه من الطاعة.

تركتُ ذكرَ أسانيدها حَذَراً من الإطالة عليهم، واعتماداً على نقل الأئمة، وربّما سمّيتُ في بعضها الصحابيَّ الذي يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعنًى دعا إليه، وتجدُ أحاديثَ كلِّ بابٍ منها تنقسم إلى صحاح وحِسان.

أعني بـ (الصّحاح): ما أخرجه الشيخانِ؛ أبو عبد الله محمدُ بن إسماعيلَ الجعفيُّ البخاريُّ، وأبو الحسينِ مسلمُ بنُ الحجاجِ القُشيري النيسابوريُّ رحمهما الله، في جامِعيهما، أو أحدهما.

وأعني بـ (الحسان): ما أورده أبو داودَ سليمانُ بنُ الأشعثِ السجستانيُّ، وأبو عيسى محمدُ بن عيسى الترمذيُّ، وغيرهما من الأئمة في تصانيفهم - رحمهم الله - مما لم يخرجه الشيخان، وأكثرُها صحاحٌ بنقل العدل عن العدل، غير أنها لم تبلُغ غايةَ شرطِ الشيخين في عُلُو الدرجة من صحة الإسناد؛ إذ أكثرُ الأحكامِ ثبوتُها بطريقٍ حسنٍ.

وما كانَ فيها من ضَعيف أو غريب أشرتُ إليه، وأعرضتُ عن ذِكْرِ ما كان منكراً أو موضوعاً، والله المستعان وعليه التُّكلان.

روي عن عمرَ بنِ الخطَّابِ - رضي الله عنه -: أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الأعمال بالنّيَّاتِ، وإنَّما لامرِئٍ ما نَوى، فَمَنْ كانتْ هِجرتُهُ إلى اللهِ ورسولهِ، فهجرتُهُ إلى اللهِ ورسولهِ، ومَنْ كانتْ هِجْرتُه إلى دُنيا يُصِيبُها أو إلى امرأةِ يتزوَّجُها فهِجْرته إلى ما هاجَرَ إليه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015