((فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً)) يعني إسلاماً، أقدمهم إسلاماً، يعني هل الأولى التفضيل بقدم الإسلام أو بقدم الهجرة؟ في الحديث الأولى الهجرة؛ لأن إسلام الشخص مع إقامته في بلاد المشركين ينجيه هذا الإسلام إذا كان معذوراً، ويعفيه من وجوب الهجرة إذا كان من المستضعفين، لكنه مهما كان ومهما بلغ لن يكون بمنزلة من أقام بين المسلمين وفي بلاد المسلمين، ولذا لم تُجوّز الحيلة بنص قرآني إلا في الهجرة {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فيجب عليه أن يهاجر ولو احتال على الهجرة، فجعل الهجرة أولى بالتقديم ممن تقدم إسلامه وأقام بين أظهر المشركين.
ثم قال: ((ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه)) هذا مستثنى مما تقدم، يعني رجل في بيته في مكانه في مقره لا يتقدم عليه إلا بإذنه ((ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) والإمام السلطان له الأولوية المطلقة، وفي حكمه من ينيبه، فإمام الحي المعين من قبل السلطان لا شك أنه نائب عن السلطان لا يجوز أن يفتات عليه، ومن ولي على عموم المساجد مثلاً له صلاحية السلطان وأحقية السلطان في هذا؛ لأن هذا الأمر وكل إليه فلا يفتات عليه، فهو نائب السلطان في هذا.
((ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) يعني ما يوضع له في مكان جلوسه من شيء يجلس عليه، لا يأتي الزائر والضيف يجلس عليه إلا أن يأذن له، ويؤثره به.
في بعض الروايات: بدلاً سلماً سناً، يعني الأكبر، ولا شك أن السن له مدخل في التقديم شرعاً في أمور العبادات وفي العادات، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) يبدأ الكبير لما جاء عبد الرحمن بن سهل انطلق يتكلم لما قتل أخوه بخيبر، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) لأن حويصة أكبر منه.
ثم بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم".