"فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم)) " يعني هل الغضب بسبب التصرفات من رفع الأصوات وحصب الباب؟ أو لما رأى من حرصهم الذي يتسبب عنه فرض هذه الصلاة التي هي في الأصل نافلة؟ ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك بني إسرائيل كثرةُ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) ((وأعظم الناس جرماً من سأل عن شيء فحرم بسببه)) وهنا: "فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم)) " النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم الليلة الأولى والثانية والثالثة على اختلاف الرايات، ثم احتجب عنهم بعد ذلك خشية أن تفرض عليهم صلاة التراويح التي سميت فيما بعد صلاة التراويح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما تركها رغبة عنها، وما تركها من أجل أن الجماعة لا تشرع فيها، وإنما تركها خشية أن تفرض عليهم، ولذا لما أُمنت هذه الخشية في عهد عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- من شفقته ورأفته بأمته يخشى عليهم مثل هذا، فإذا فرض عليهم قد يعجزون عنه، فيأثمون بسبب ذلك، وهم في الأصل في سعة؛ فلماذا يضيقون على أنفسهم؟! وهذا هو الذي أثار الغضب عنده -عليه الصلاة والسلام-.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل الكعبة ندم خشية أن يحرص الناس على دخولها فتلحقهم بذلك المشقة؛ لأن كل مسلم يقتدي به -عليه الصلاة والسلام-، والأمثلة والنظائر لهذا كثيرة؛ لأنه قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على أشياء ولم يفعلها، مثال ذلك قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي)) ومع ذلك ما اعتمر في رمضان -عليه الصلاة والسلام-؛ ليكون في الأمة شيء من التوازن؛ لأنه لو اجتمع الحث مع عمرته -عليه الصلاة والسلام- في رمضان كيف يكون الحال حال المسلمين في هذه الأماكن في هذه الأوقات؟! إذا تضافر القول مع الفعل لكن إذا وجد القول وجد من يقتدي به ويمتثل، لم يوجد الفعل وجد من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان، فيحصل بذلك التخفيف والتنفيس، لكن لو تضافر الفعل مع القول لاقتتل الناس على الاقتداء في هذه الأماكن، وأنتم ترون الزحام الذي يحصل في رمضان في المسجد الحرام.